ثم لما ذكر المؤمنين نعمه عليهم بقولهم { واذكروا إذ أنتم قليل } ذكر رسوله نعمته عليه وذلك دفع كيد المشركين عنه حين كان بمكة ليشكر نعمة الله في نجاته من مكرهم وفيما أتاح له من حسن العاقبة . والمعنى واذكر وقت مكرهم . فإن ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم من المفسرين : ذكروا أن قريشاً اجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ وقال : أنا شيخ من نجد ما أنا من تهامة دخلت مكة فسمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً . فقالوا : هذا من نجد لا بأس عليكم به . فقال أبو البختري من بني عبد الدار : رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدوا وثاقه وتسدوا بابه غير كوّة وتلقون إليه طعامه وشرابه منها وتتربصوا به ريب المنون ، فقال إبليس : بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم . فقال هشام بن عمرو : رأيي أن تحملوه على جمل وتخرجوه من بين أظهركم فلا يضركم ما صنع واسترحتم . فقال : بئس الرأي يفسد قوماً غيركم ويقاتلكم بهم . فقال أبو جهل : أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاماً وتعطوه سيفاً صارماً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم ، فإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا . فقال الشيخ : صدق هذا الفتى هو أجودكم رأياً . فتفرقوا على رأي أبي جهل مجمعين على قتله ، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره أن لا يبيت في مضجعه وأذن الله له في الهجرة فأمر علياً عليه السلام فنام في مضجعه وقال له : «اتشح ببردتي فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه » . وباتوا مترصدين فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه فأبصروا علياً فبهتوا وخيب الله سعيهم واقتصوا أثره فأبطل مكرهم . ومعنى { ليثبتوك } قال ابن عباس : ليوثقوك ويسجنوك لأنه لا يقدر على الحركة وهو إشارة إلى رأي أبي البختري . وقوله { أو يقتلوك } إشارة إلى رأي أبي جهل . وقوله { أو يخرجوك } أي من مكة إشارة إلى رأي هشام . وأنكر القاضي حديث إبليس في القصة وتصويره نفسه بصورة الإنس . قال : لأن ذلك التغيير إن كان بفعل الله فهو إعانة للكفار على المكر ، وإن كان من فعل إبليس فلذلك لا يليق بحكمة الله تعالى لأن إقدار إبليس على تغيير صورة نفسه إعانة له على الإغواء والتلبيس . هذا ما حكى عن القاضي وذهب عليه أن هذا الاعتراض وارد على خلق إبليس نفسه وعلى خلق سائر أسباب الشرور والآثام وقد أجبنا عن أمثال ذلك مراراً ، وقد عرفت تفسير المكر في سورة آل عمران . والحاصل أنهم احتالوا في إبطال أمر محمد والله نصره وقواه فضاع فعلهم وظهر صنع الله . فإن قيل : لا خير في مكرهم فكيف قال والله أنه خير الماكرين ؟ وأجيب بأن المراد أقوى الماكرين ، أو المراد أنه لو قدر في مكرهم خير لكان الخير في مكره أكثر ، أو المراد أنه في نفسه خير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.