تفسير ابن أبي زمنين - ابن أبي زمنين  
{وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (30)

{ وإذ يمكر بك الذين كفروا } الآية ، قال الكلبي : بلغنا أن عصابة من قريش اجتمعوا في دار الندوة يمكرون بنبي الله ، فدخل معهم إبليس عليه ثياب ، له أظفار في صورة شيخ كبير ، فجلس معهم ، فقالوا : ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا ؟ فقال لهم : أنا رجل من أهل " نجد " قدمت " مكة " فأحببت أن أسمع من حديثكم ، وأقتبس منكم خيرا ، ورأيت وجوهكم حسنة وريحكم طيبة ؛ فإن أحببتم جلست معكم ، وإذا كرهتم مجلسي خرجت . فقال بعضهم لبعض : هذا رجل من أهل نجد ليس من أهل تهامة ، فلا بأس عليكم [ منه ] تتكلموا بالمكر بنبي الله ، فقال البختري بن هشام -أحد بني أسد ابن عبد العزى- : أما أنا فأرى لكم من الرأي أن تأخذوا محمدا ، فتجعلوه في بيت ، ثم تسدوا عليه بابه ، وتجعلوا فيه كوة يدخل إليه منها طعامه وشرابه ، ثم تذروه فيه حتى يموت ، فقال القوم : نعم الرأي رأيت .

فقال إبليس : بئس الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل له فيكم صغو وقد سمع به من حولكم فتحبسونه ، وتطعمونه وتسقونه ، فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلوكم عليه فتفسد فيه جماعتكم ، وتسفك فيه دماؤكم . فقالوا : صدق والله . ثم تكلم أبو الأسود -وهو هاشم بن عمير بن ربيعة أحد بني عامر بن لؤي- فقال : أما أنا ، فأرى أن تحملوا محمدا على بعير ، ثم تخرجوه من أرضكم فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم . فقالوا : نعم الرأي رأيت . فقال إبليس : بئس الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل أفسد جماعتكم ، واتبعته منكم طائفة ، فتخرجونه إلى غيركم ، فيأتيهم فيفسدهم كما أفسدكم ، يوشك والله أن يميل بهم عليكم . قالوا : صدق والله . ثم تكلم أبو جهل فقال : أما أنا فأرى من الرأي أن تأخذوا من كل بطن من قريش رجلا ، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا فيأتونه [ فيضربونه ] جميعا فلا يدري قومه من يأخذون به ، وتودي قريش ديته . فقال إبليس : صدق والله هذا الشاب ؛ إن الأمر لكما قال : فاتفقوا على ذلك . فنزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، وأمره بالخروج . فخرج من ليلته إلى المدينة ، فدخل الغار قال الله : { ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } .

قال محمد : والمكر من الله : الجزاء والمثوبة ؛ أن يجازيهم جزاء مكرهم .

ومعنى : { ليثبتوك } أي : ليحسبوك ، ومنه يقال : فلان مثبت وجعا إذا منع من الحركة .