تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (30)

{ وإذ يمكر بك الذين كفروا } ، وذلك أن نفرا من قريش ، منهم : أبو جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وهشام بن عمرو ، وأبو البحتري بن هشام ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعيينة بن حصن الفزارى ، والوليد بن المغيرة ، والنضر بن الحارث ، وأبي بن خلف ، اجتمعوا في دار الندوة بمكة يوم ، وهو يوم السبت ليمكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم إبليس في صورة رجل شيخ كبير ، فجلس معهم ، فقالوا : ما أدخلك في جماعتنا بغير إذننا ، قال : إنما أنا رجل من أهل نجد ، ولست من أهل تهامة ، قدمت مكة فرأيتكم حسنة وجوهكم ، طيبة ريحكم ، نقية ثيابكم ، فأحببت أن أسمع من حديثكم ، وأستر عليكم ، فإن كرهتم مجلسي خرجت من عندكم ، فقالوا : هذا رجل من أهل نجد ، وليس من أهل تهامة ، فلا بأس عليكم منه ، فتعملوا بالمكر بمحمد .

فقال أبو البحتري بن هشام ، من بني أسد بن عبد العزى : أما أنا فرأيي أن تأخذوا محمدا ، فتجعلوه في بيت ، وتسدوا بابه ، وتدعوا له كوة ، يدخل منها طعامه وشرابه حتى يموت ، قال إبليس : بئس والله الرأي رأيتم تعمدون إلى رجل له فيكم صغو قد سمع به من حولكم ، فتحبسونه فتطعمونه وتسقونه فيوشك الصغو الذي له فيكم أن يقاتلكم عليه ، فيفسد جماعتكم ويسفك دماءكم ، فقالوا : صدق والله الشيخ .

فقال هشام بن عمرو ، من بني عامر بن لؤي : أما أنا ، فرأيي أن تحملوا محمدا على بعير ، فيخرج من أرضكم ، فيذهب حيث شاء ، ويليه غيركم ، قال إبليس : بئس والله الرأي رأيتم ، تعمدون إلى رجل قد شتت وأفسد جماعتكم ، واتبعه منكم طائفة ، فتخرجوه إلى غيركم ، فيفسدهم كما أفسدكم ، فيوشك والله أن يقبل بهم عليكم ويتولى الصغو الذي له فيكم ، قالوا : صدق والله الشيخ .

فقال أبو جهل بن هشام المخزومي : أما أنا ، فرأيي أن تعمدوا إلى كل بطن من قريش ، فتأخذوا من كل بطن رجلا ، ثم تعطوا كل رجل منهم سيفا ، فيضربونه جميعا بأسيافهم ، فلا يدرى قومه من يأخذون به ، وتؤدى قريش ديته ، قال إبليس : صدق والله الشاب ، إن الأمر لكما قال ، فتفرقوا على قول أبي جهل .

فنزل جبريل عليه السلام ، فأخبره بما ائتمر به القوم ، وأمره بالخروج ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم من ليلته إلى الغار ، وأنزل الله عز وجل : { وإذ يمكر بك الذين كفروا } من قريش { ليثبتوك } يعنى ليحبسوك في بيت ، يعنى أبا البحتري بن هشام ، { أو يقتلوك } يعنى أبا جهل ، { أو يخرجوك } من مكة ، يعني به هشام بن عمرو ، { ويمكرون } بالنبي صلى الله عليه وسلم الشر { ويمكر الله } بهم حين أخرجهم من مكة فقتلهم ببدر ، فذلك قوله : { والله خير الماكرين } [ آية :30 ] أفضل مكرا منهم ، أنزل الله : { أم أبرموا أمرا } يقول : أم أجمعوا على أمر ، { فإنا مبرمون } يقول : لنخرجنهم إلى بدر فنقلتهم ، أو نعجل أرواحهم إلى النار { الزخرف :79 ] .