فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَۚ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ} (30)

قوله : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ } الظرف معمول لفعل محذوف ، أي : واذكر يا محمد وقت مكر الكافرين بك ، أو معطوف على ما تقدّم من قوله { واذكروا } ذكر الله رسوله هذه النعمة العظمى التي أنعم بها عليه ، وهي نجاته من مكر الكافرين وكيدهم كما سيأتي بيانه { لِيُثْبِتُوكَ } أي : يثبتوك بالجراحات ، كما قال ثعلب وأبو حاتم ، وغيرهما ، وعنه قول الشاعر :

فقلت ويحكم ما في صحيفتكم *** قالوا الخليفة أمسى مثبتاً وجعا

وقيل : المعنى ليحبسوك ، يقال أثبته : إذا حبسه . وقيل : ليوثقوك ، ومنه : { فَشُدُّواْ الوثاق } . وقرأ الشعبي { ليبيتوك } من البيات . وقرئ «ليثبتوك » بالتشديد { أَوْ يُخْرِجُوكَ } معطوف على ما قبله ، أي يخرجوك من مكة التي هي بلدك وبلد أهلك . وجملة : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله } مستأنفة . والمكر : التدبير في الأمر في خفية . والمعنى : أنهم يخفون ما يعدّونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المكايد ، فيجازيهم الله على ذلك ويردّ كيدهم في نحورهم . وسمى ما يقع منه تعالى مكراً مشاكلة ، كما في نظائره { والله خَيْرُ الماكرين } أي : المجازين لمكر الماكرين بمثل فعلهم ، فهو يعذبهم على مكرهم من حيث لا يشعرون ، فيكون ذلك أشدّ ضرراً عليهم وأعظم بلاء من مكرهم .

/خ33