في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

24

ثم ننظر من خلال الكلمات فإذا ساحة العرض الهائلة ، وقد تجمعت فيها الأجيال الحاشدة التي عمرت هذا الكوكب في عمره الطويل القصير ! وقد جثوا على الركب متميزين أمة أمة . في ارتقاب الحساب المرهوب . . وهو مشهد مرهوب بزحامه الهائل يوم تتجمع الأجيال كلها في صعيد واحد . ومرهوب بهيئته والكل جاثون على الركب . ومرهوب بما وراءه من حساب . ومرهوب قبل كل شيء بالوقفة أمام الجبار القاهر ، والمنعم المتفضل ، الذي لم تشكر أنعمه ولم تعرف أفضاله من أكثر هؤلاء الواقفين !

ثم يقال للجموع الجاثية المتطلعة إلى كل لحظة بريق جاف ونفس مخنوق . يقال لها :

( اليوم تجزون ما كنتم تعملون .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

{ وترى كُلَّ أُمَّةٍ } من الأمم المجموعة { جَاثِيَةً } باركة على الركب مستوفزة وهي هيئة المذنب الخائف المنتظر لما يكره ، وعن ابن عباس جاثية مجتمعة ، وعن قتادة جماعات من الجثوة مثلثة الجيم وهي الجماعة تجتمع على جثي أي تراب مجتمع ، وعن مؤرج السدوسي جاثية خاضعة بلغة قريش ، والخطاب في { تَرَى } لمن يصح منه الرؤية أو لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام وهي بصرية ، و { جَاثِيَةً } حال وجوز أن تكون صفة ولو كانت علمية كانت مفعولاً ثانياً ، وقرئ { جاذية } بالذال والجذو أشد استيفازاً من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه ، وجوز أن يكون الجاذي بمعنى الجاثي أبدلت ثاؤه ذالاً فإن الثاء والذال متقارضان كما قيل شحاث وشحاذ { جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها } إلى صحيفة أعمالها التي كتبتها الحفظة لتحاسب ، وأفرد على إرادة الجنس وإلا فلكل واحد من كل أمة صحيفة فيها أعماله ، وقيل : المراد كتاب نبيها تدعى إليه لينظر هل عملت به أولاً وحكي ذلك عن يحيى بن سلام إلا أنه حمل كل أمة على كل أمة كافرة والظاهر العموم ، وقيل : المراد بذلك اللوح المحفوظ أي تدعى إلى ما سبق لها فيه ، وقرأ يعقوب { كُلٌّ } بالنصب وخرج على أنه بدل من كل الأول ، وجملة { تدعى } صفة ، وإبدال الأمة المدعوة إلى كتابها من الأمة الجاثية حسن وجاء ذلك من الوصف ، ويقال مثل ذلك فيما إذا كان الجملة حالاً ، وإذا كانت الرؤية علمية وجملة { تدعى } مفعولاً ثانياً فالظاهر أنه تأكيد ، وجعله تأكيداً مع كون الجملة صفة فيه تخلل التأكيد بين الوصفين وهو كما في «الكشف » غير مستحسن { اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } مقول قول مقدر هو حال أو خبر بعد خبر .

وفي الكلام مضاف مقدر أي جزاء ما كنتم الخ أو هو من المجاز .