فأما إذا وقع الاعتداء على أهل الدعوة فإن الموقف يتغير ، فالاعتداء عمل مادي يدفع بمثله إعزازا لكرامة الحق ، ودفعا لغلبة الباطل ، على ألا يتجاوز الرد على الاعتداء حدوده إلى التمثيل والتفظيع ، فالإسلام دين العدل والاعتدال ، ودين السلم والمسالمة ، إنما يدفع عن نفسه وأهله البغي ولا يبغي ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) . وليس ذلك بعيدا عن دستور الدعوة فهو جزء منه . فالدفع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها وعزتها ، فلا تهون في نفوس الناس . والدعوة المهينة لا يعتنقها أحد ، ولا يثق أنها دعوة الله . فالله لا يترك دعوته مهينة لا تدفع عن نفسها ، والمؤمنون بالله لا يقبلون الضيم وهم دعاة لله والعزة لله جميعا . ثم إنهم أمناء على إقامة الحق في هذه الأرض وتحقيق العدل بين الناس ، وقيادة البشرية إلى الطريق القويم ، فكيف ينهضون بهذا كله وهم يعاقبون فلا يعاقبون ، ويعتدي عليهم فلا يردون ؟ ! .
ومع تقرير قاعدة القصاص بالمثل ، فإن القرآن الكريم يدعو إلى العفو والصبر ، حين يكون المسلمون قادرين على دفع الشر ووقف العدوان ، في الحالات التي قد يكون العفو فيها والصبر أعمق أثرا . وأكثر فائدة للدعوة . فأشخاصهم لا وزن لها إذا كانت مصلحة الدعوة تؤثر العفو والصبر . فأما إذا كان العفو والصبر يهينان دعوة الله ويرخصانها ، فالقاعدة الأولى هي الأولى .
ولأن الصبر يحتاج إلى مقاومة للانفعال ، وضبط للعواطف ، وكبت للفطرة ، فإن القرآن يصله بالله ويزين عقباه : ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين .
وقوله { وإن عاقبتم فعاقبوا } الآية ، أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد ، ووقع ذلك في صحيح البخاري ، وفي كتاب السير وذهب النحاس إلى أنها مكية .
قال القاضي أبو محمد : والمعنى متصل بما قبلها من المكي اتصالاً حسناً ؛ لأنها تتدرج الرتب من الذي يدعى ويوعظ إلى الذي يجادل إلى الذي يجازى على فعله ، ولكن ما روى الجمهور أثبت ، وأيضاً فقوله : { ولئن صبرتم } ، يقلق بمعنى الآية على ما روى الجميع أن كفار قريش كما مثلوا بحمزة فنال ذلك من نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال «لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بثلاثين » ، وفي كتاب النحاس وغيره «بتسعين » منهم فقال الناس : «إن ظفرنا لنفعلن ولنفعلن » ، فنزلت هذه الآية{[7450]} ، ثم عزم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبر في الآية بعدها ، وسمى الإذناب في هذه الآية عقوبة ، والعقوبة حقيقة إنما هي الثانية وإنما فعل ذلك ليستوي اللفظان وتتناسب ديباجة القول ، وهذا بعكس قوله : { مكروا ومكر الله }{[7451]} [ آل عمران : 54 ] ، وقوله { الله يستهزىء بهم }{[7452]} [ البقرة : 15 ] ، فإن الثاني هو المجاز ، والأول هو الحقيقة ، وقرأ ابن سيرين : «وإن عقَبتم فعقبوا » ، وحكى الطبري عن فرقة : أنها قالت إنما نزلت هذه الآية فيمن أصيب بظلامة أن لا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته لا يتعداه إلى غيره ، واختلف أهل العلم فيمن ظلمه رجل في أخذ مال ثم ائتمن الظالم المظلوم على مال تجوز له خيانته في القدر الذي ظلمه ، فقالت فرقة : له ذلك ، منهم ابن سيرين وإبراهيم النخعي وسفيان ومجاهد ، واحتجت بهذه الآية وعموم لفظها ، وقال مالك وفرقة معه : لا يجوز له ذلك ، واحتجوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك »{[7453]} .
قال القاضي أبو محمد : ووقع في مسند ابن سنجر أن هذا الحديث إنما ورد في رجل زنا بامرأة رجل آخر ، ثم تمكن الآخر من زوجة الثاني بأن تركها عنده وسافر ، فاستشار الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك » ، ويتقوى في أمر المال قول مالك رحمه الله ؛ لأن الخيانة لاحقة في ذلك وهي رذيلة لا انفكاك عنها ، ولا ينبغي للمرء أن يتأسى بغيره في الرذائل ، وإنما ينبغي أن تتجنب لنفسها ، وأما الرجل يظلم في المال ثم يتمكن من الانتصاف دون أن يؤتمن ، فيشبه أن ذلك له جائز يرى أن الله حكم له كما لو تمكن له بالحكم من الحاكم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره للمؤمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم من العقوبة، "ولئن صبرتم "عن عقوبته، واحتسبتم عند الله ما نالكم به من الظلم، ووكلتم أمره إليه، حتى يكون هو المتولي عقوبته "لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ" يقول: للصبر عن عقوبته بذلك خير لأهل الصبر احتسابا، وابتغاء ثواب الله؛ لأن الله يعوّضه مِنَ الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظلمه إياه من لذّة الانتصار، وهو من قوله "لَهُوَ" كناية عن الصبر، وحسن ذلك، وإن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله: "وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ" عليه...
قال مجاهد وابن سيرين: هو في كل من ظلم بغضب أو نحوه فإنما يجازى بمثل ما عمل...
نزول الآية على سبب لا يمنع عندنا اعتبار عمومها في جميع ما انتظمه الاسم، فوجب استعمالها في جميع ما انطوى تحتها بمقتضى ذلك أن من قتل رجلاً قُتل به، ومن جرح جراحة جُرح به جراحة مثلها، وأن قطع يد رجل ثم قتله أن للوليّ قَطْعُ يده ثم قتله؛ واقتضى أيضاً أن من قتل رجلاً برضْخ رأسه بالحجر أو نَصبه غرضاً فرماه حتى قتله أنه يُقتل بالسيف إذْ لا يمكن المعاقبة بمثل ما فعله؛ لأنا لا نحيط علماً بمقدار الضرب وعدده ومقدار ألمه، وقد يمكننا المعاقبة بمثله في باب إتلاف نفسه قتلاً بالسيف، فوجب استعمال حكم الآية فيه من هذا الوجه دون الوجه الأول. وقد دلّت أيضاً على أن من استهلك لرجل مالاً فعليه مثله، وإذا غصبه ساجة فأدخلها في بنائه أو غصبه حنطة فطحنها أن عليه المثل فيهما جميعاً؛ لأن المثل في الحنطة بمقدار كَيْلها من جنسها وفي الساجة قيمتها لدلالة قد دلّت عليه، وقد دلّت على أن العفو عن القاتل والجاني أفضل من استيفاء القصاص بقوله تعالى: {وَلئن صبرتم لهو خير للصابرين}...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
إذا جرى عليكم ظُلُمٌ من غيرَكم وأردتم الانتقامَ.. فلا تتجاوزُوا حَدَّ الإذنِ بما هو في حكم الشرع. {وَلَئِن صَبَرْتُمْ}: فتركتم الانتصافَ لأِجْلِ مولاكم فهو خيرُ لكم إِنْ فَعَلْتُمْ ذلك. والأسبابُ التي قد يترك لأجلها المرءُ الانتصافَ مختلفة؛ فمنهم من يترك ذلك طمعاً في الثواب غداً فإنه أوفر وأكثر، ومنهم من يترك ذلك طمعاً في أن يتكفَّل اللَّهُ بخصومه، ومنهم من يترك ذلك لأنه مُكْتَفٍ بعلم الله تعالى بما يجري عليه، ومنهم من يترك ذلك لِكَرَم نَفسِه، وتَحرُّرِه عن الأخطار ولاستحبابه العفوَ عند الظَّفَرِ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقوله {وإن عاقبتم فعاقبوا...}، أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة في يوم أحد، ووقع ذلك في صحيح البخاري، وفي كتاب السير وذهب النحاس إلى أنها مكية... والمعنى متصل بما قبلها من المكي اتصالاً حسناً؛ لأنها تتدرج الرتب من الذي يدعى ويوعظ إلى الذي يجادل إلى الذي يجازى على فعله، ولكن ما روى الجمهور أثبت... وسمى الإذناب في هذه الآية عقوبة، والعقوبة حقيقة إنما هي الثانية وإنما فعل ذلك ليستوي اللفظان وتتناسب ديباجة القول، وهذا بعكس قوله: {مكروا ومكر الله} [آل عمران: 54]، وقوله {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15]، فإن الثاني هو المجاز، والأول هو الحقيقة...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْجَزَاءُ عَلَى الْمُثْلَةِ عُقُوبَةٌ؛ فَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَيْسَ بِعُقُوبَةٍ، وَلَكِنَّهَا سُمِّيَتْ بِاسْمِهَا، كَمَا قَالَ: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وَكَمَا قَالَ: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}؛ وَعَادَةُ الْعَرَبِ هَكَذَا فِي الِازْدِوَاجِ، فَجَاءَ الْقُرْآنُ عَلَى حُكْمِ اللُّغَةِ...
فِي هَذِهِ الْآيَةِ جَوَازُ التَّمَاثُلِ فِي الْقِصَاصِ، فَمَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ قُتِلَ بِهَا، وَكَذَلِكَ من قَتَلَ بِحَجَرٍ أَوْ حَبْلٍ أَوْ عُودٍ اُمْتُثِلَ فِيهِ مَا فَعَلَ...
اعلم أنه تعالى أمر برعاية العدل والإنصاف في هذه الآية ورتب ذلك على أربع مراتب: المرتبة الأولى: قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} يعني إن رغبتم في استيفاء القصاص فاقنعوا بالمثل ولا تزيدوا عليه، فإن استيفاء الزيادة ظلم والظلم ممنوع منه في عدل الله ورحمته وفي قوله: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} دليل على أن الأولى له أن لا يفعل، كما أنك إذا قلت للمريض: إن كنت تأكل الفاكهة فكل التفاح، كان معناه أن الأولى بك أن لا تأكله، فذكر تعالى بطريق الرمز والتعريض على أن الأولى تركه.
المرتبة الثانية: الانتقال من التعريض إلى التصريح وهو قوله: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} وهذا تصريح بأن الأولى ترك ذلك الانتقام، لأن الرحمة أفضل من القسوة والإنفاع أفضل من الإيلام...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما بين أمر الدعوة وأوضح طرقها، وقدم أمر الهجرة والإكراه في الدين والفتن فيه المشير إلى ما سبب ذلك من المحن والبلاء من الكفار ظلماً، وختم ذلك بالأمر بالرفق بهم، عم -بعد ما خصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم به من الأمر بالرفق، بالأمر لأشياعه بالعدل والإحسان كما تقدم ولو مع أعدى الأعداء، والنهي عن مجازاتهم إلا على وجه العدل- فقال تعالى: {وإن عاقبتم}، أي: كانت لكم عاقبة عليهم تتمكنون فيها من أذاهم، {فعاقبوا بمثل ما}، ولما كان الأمر عاماً في كل فعل من المعاقبة من أيّ فاعل كان فلم يتعلق بتعيين الفاعل غرض، بني للمفعول قوله تعالى: {عوقبتم به}، وفي ذلك إشارة -على ما جرت به عوائد الملوك في كلامهم- إلى إدالتهم عليهم وإسلامهم في يديهم، وجعله بأداة الشك إقامة بين الخوف والرجاء. ولما أباح لهم درجة العدل، رقاهم إلى رتبة الإحسان بقوله تعالى: {ولئن صبرتم}، بالعفو عنهم، {لهو}، أي: الصبر، {خير للصابرين}، وأظهر في موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً بالوصف...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فأما إذا وقع الاعتداء على أهل الدعوة فإن الموقف يتغير، فالاعتداء عمل مادي يدفع بمثله إعزازا لكرامة الحق، ودفعا لغلبة الباطل، على ألا يتجاوز الرد على الاعتداء حدوده إلى التمثيل والتفظيع، فالإسلام دين العدل والاعتدال، ودين السلم والمسالمة، إنما يدفع عن نفسه وأهله البغي ولا يبغي (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به). وليس ذلك بعيدا عن دستور الدعوة فهو جزء منه. فالدفع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها وعزتها، فلا تهون في نفوس الناس. والدعوة المهينة لا يعتنقها أحد، ولا يثق أنها دعوة الله. فالله لا يترك دعوته مهينة لا تدفع عن نفسها، والمؤمنون بالله لا يقبلون الضيم وهم دعاة لله والعزة لله جميعا. ثم إنهم أمناء على إقامة الحق في هذه الأرض وتحقيق العدل بين الناس، وقيادة البشرية إلى الطريق القويم، فكيف ينهضون بهذا كله وهم يعاقبون فلا يعاقبون، ويعتدي عليهم فلا يردون؟!...
ومع تقرير قاعدة القصاص بالمثل، فإن القرآن الكريم يدعو إلى العفو والصبر، حين يكون المسلمون قادرين على دفع الشر ووقف العدوان، في الحالات التي قد يكون العفو فيها والصبر أعمق أثرا. وأكثر فائدة للدعوة. فأشخاصهم لا وزن لها إذا كانت مصلحة الدعوة تؤثر العفو والصبر. فأما إذا كان العفو والصبر يهينان دعوة الله ويرخصانها، فالقاعدة الأولى هي الأولى. ولأن الصبر يحتاج إلى مقاومة للانفعال، وضبط للعواطف، وكبت للفطرة، فإن القرآن يصله بالله ويزين عقباه: (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عَطف على جملة {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة} [سورة النحل: 125]، أي إن كان المقام مقام الدعوة فلتكن دعوتك إيّاهم كما وصفنا، وإن كنتم أيها المؤمنون معاقبين لمشركين على ما نالكم من أذاهم فعاقبوهم بالعدل لا بِتجاوُز حدّ ما لقيتم منهم...
فهذه الآية متّصلة بما قبلها أتم اتّصال، وحسبك وجود العاطف فيها. وهذا تدرّج في رتب المعاملة من معاملة الذين يدعون ويوعظون إلى معاملة الذين يجادلون ثم إلى معاملة الذين يجازون على أفعالهم، وبذلك حصل حسن الترتيب في أسلوب الكلام...
ويجوز أن تكون نزلت في قصة التّمثيل بحَمزة يوم أُحُد، وهو مرويّ بحديث ضعيف للطبراني. ولعلّه اشتبه على الرّواة تذكر النبي الآيةَ حين توعّد المشركين بأن يمثّل بسبعين منهم إن أظفره الله بهم...
والخطاب للمؤمنين ويدخل فيه النبي...
والمعاقبة: الجزاء على فعل السوء بما يسوء فاعل السوء...
فقوله: {بمثل ما عوقبتم} مشاكَلَةٌ لِ {عاقبتم}. استعمل {عوقبتم} في معنى عوملتم به، لوقوعه بعد فعل {عاقبتم}، فهو استعارة وجه شبهها هو المشاكلة. ويجوز أن يكون {عوقبتم} حقيقة لأن ما يلقونه من الأذى من المشركين قصدوا به عقابهم على مفارقة دين قومهم وعلى شتم أصنامهم وتسفيه آبائهم...
والأمر في قوله: {فعاقبوا} للوجوب باعتبار متعلّقه، وهو قوله: {بمثل ما عوقبتم به} فإن عدم التجاوز في العقوبة واجب...
وفي هذه الآية إيماء إلى أن الله يُظهر المسلمين على المشركين ويجعلهم في قبضتهم، فلعلّ بعض الذين فتنهم المشركون يبعثه الحَنق على الإفراط في العقاب. فهي ناظرة إلى قوله: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} [سورة النحل: 110]...
ورغّبهم في الصبر على الأذى، أي بالإعراض عن أذى المشركين وبالعفو عنه، لأنه أجلب لقلوب الأعداء، فوصف بأنه خير، أي خير من الأخذ بالعقوبة، كقوله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم} [سورة فصّلت: 34]، وقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [سورة الشورى: 40]...
وضمير الغائب عائد إلى الصبر المأخوذ من فعل صبرتم}، كما في قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [سورة المائدة: 8]. وأكّد كون الصبر خيراً بلام القسم زيادة في الحثّ عليه...
وعبّر عنهم بالصابرين إظهاراً في مقام الإضمار لزيادة التنويه بصفة الصابرين، أي الصبر خبر لجنس الصابرين...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ}؛ لأن الصبر على الاعتداء، من الموقع الذي يملك فيه ردّ العدوان والمجازاة بالمثل، يمثّل القوّة الروحية التي تعيش التعالي على نوازع التشفي والانتقام الذاتية، وقد يحصل الإنسان بالصبر على الكثير من النتائج الإيجابية على مستوى صون كرامته والحصول على حقه، مما قد لا يحصل عليه مع الرد بالمثل. وقد يفسح المجال لحلّ المشكلة بطريقةٍ أخرى تفتح القلوب على المحبة، وتهيئ الساحة لمواقف اللقاء، وتؤدي في نهاية المطاف إلى التقاء القلوب على الخير والحق والعدل...