في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

112

فأما إذا وقع الاعتداء على أهل الدعوة فإن الموقف يتغير ، فالاعتداء عمل مادي يدفع بمثله إعزازا لكرامة الحق ، ودفعا لغلبة الباطل ، على ألا يتجاوز الرد على الاعتداء حدوده إلى التمثيل والتفظيع ، فالإسلام دين العدل والاعتدال ، ودين السلم والمسالمة ، إنما يدفع عن نفسه وأهله البغي ولا يبغي ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) . وليس ذلك بعيدا عن دستور الدعوة فهو جزء منه . فالدفع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها وعزتها ، فلا تهون في نفوس الناس . والدعوة المهينة لا يعتنقها أحد ، ولا يثق أنها دعوة الله . فالله لا يترك دعوته مهينة لا تدفع عن نفسها ، والمؤمنون بالله لا يقبلون الضيم وهم دعاة لله والعزة لله جميعا . ثم إنهم أمناء على إقامة الحق في هذه الأرض وتحقيق العدل بين الناس ، وقيادة البشرية إلى الطريق القويم ، فكيف ينهضون بهذا كله وهم يعاقبون فلا يعاقبون ، ويعتدي عليهم فلا يردون ؟ ! .

ومع تقرير قاعدة القصاص بالمثل ، فإن القرآن الكريم يدعو إلى العفو والصبر ، حين يكون المسلمون قادرين على دفع الشر ووقف العدوان ، في الحالات التي قد يكون العفو فيها والصبر أعمق أثرا . وأكثر فائدة للدعوة . فأشخاصهم لا وزن لها إذا كانت مصلحة الدعوة تؤثر العفو والصبر . فأما إذا كان العفو والصبر يهينان دعوة الله ويرخصانها ، فالقاعدة الأولى هي الأولى .

ولأن الصبر يحتاج إلى مقاومة للانفعال ، وضبط للعواطف ، وكبت للفطرة ، فإن القرآن يصله بالله ويزين عقباه : ( ولئن صبرتم لهو خير للصابرين .