الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } .

قال أكثر المفسرين : سورة النحل مكية كلها إلاّ ثلاث آيات ، { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } إلى آخرها ، فإنها نزلت بالمدينة في شهداء أحد ، وذلك " أن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلهم يوم أحد في تبقير البطون وقطع المذاكير والمثلة السيئة ، حتّى لم يبق أحد من قتلى المسلمين إلا وقد مُثّل به غير حنظلة الراهب فإن أباه أبو عامر الراهب كان مع أبي سفيان ، فتركوا حنظلة لذلك ، فقال المسلمون حين رأوا ذلك : لئن أظهرنا الله عليهم لتزيدنّ على صنيعهم ، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ، ولنفعلنَّ ولنفعلنَّ . ووقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمّه حمزة بن عبد المطلب وقد جدعوا أنفه وأذنه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه ، وأخذت هند بن عتبة قطعة من كبده فمصصته ثمّ استرطتها لتأكلها ، فلم تلبث في بطنها حتّى رمت بها ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : " أما إنها لو أكلته لم تدخل النار أبداً ، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئاً من جسده النار " . فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمه حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه فقال صلى الله عليه وسلم " رحمة الله عليك ، فإنك ما علمتك ما كنت إلا فعالاً للخيرات وصولا للرحم ، ولولا حزن من بعدك عليك لسرّني أن أُدعك حتّى تحشر من أفواه شتى ، أم والله لئن أظفرني الله عليهم لأُمثلن بسبعين منهم مكانك " .

فأنزل الله تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } الآية ، فقال صلى الله عليه وسلم : " بل نصبر " ، فأمسك عمّا أراد وكفّر يمينه " .

وقال ابن عبّاس والضحاك : وكان هذا قبل نزول براءة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله ولا يبدأ بالقتال ، فلمّا أعز الله الاسلام وأهله ونزلت براءة وأُمروا بالجهاد ، نسخت هذه الآية .

وقال قوم : بل هذه الآية محكمة ، وإنما نزلت فيمن ظلم بظلامة ، فلا يحل له أن ينال من ظالم أكثر مما نال الظالم منه أمر بالجزاء أو العفو ونهى عن الاعتداء . وهذا قول النخعي والثوري ومجاهد وابن سيرين .

/خ128