وبعد ما أمره عليه الصلاة والسلام فيما يختص به من شأن الدعوةِ بما أمره به من الوجه اللائق ، عقّبه بخطاب شاملٍ له ولمن شايعه فيما يعم الكل فقال : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } .{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ } ، أي : إن أردتم المعاقبةَ على طريقة قول الطبيبِ للمَحْميِّ : إن أكلتَ فكلْ قليلاً ، { فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } ، أي : بمثل ما فُعل بكم ، وقد عبّر عنه بالعقاب على طريقة إطلاقِ اسمِ المسبَّبِ على السبب نحوُ : كما تَدين تُدان أو على نهج المشاكلةِ ، والمقصودُ إيجابُ مراعاةِ العدل مع مَنْ يناصبُهم من غير تجاوزٍ حين ما آل الجِدالُ إلى القتال وأدّى النزاعُ إلى القِراع ، فإن الدعوةَ المأمورَ بها لا تكاد تنفك عن ذلك ، كيف لا وهي موجبةٌ لصرف الوجوهِ عن القُبل المعبودةِ وإدخالِ الأعناق في قِلادة غيرِ معهودة قاضيةٍ عليهم بفساد ما يأتون وما يذرون ، وبطلانِ دينٍ استمرَّ عليه آباؤهم الأولون ، وقد ضاقت عليهم الحيلُ ، وعيّت بهم العِللُ ، وسُدّت عليهم طرقُ المُحاجّة والمناظرة وأُرتجتْ دونهم أبوابُ المباحثةِ والمحاورة . وقيل : إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى حمزةَ رضي الله عنه يوم أُحد قد مُثّل به قال : « لئن أظفَرني الله بهم لأمثّلنّ بسبعين مكانك » فنزلت ، فكفّر عن يمينه وكف عما أراده ، وقرئ : { وإن عَقّبتم فعقِّبوا } ، أي : وإن قَفَّيْتم بالانتصار فقفّوا بمثل ما فُعل بكم غيرَ متجاوزين عنه ، والأمرُ وإن دل على إباحة المماثلة في المُثْلة من غير تجاوزٍ لكن في تقييده بقوله : { وإن عاقبتم } حثٌّ على العفو تعريضاً ، وقد صرّح به على الوجه الآكد فقيل : { وَلَئِن صَبَرْتُمْ } ، أي : عن المعاقبة بالمثل ، { لَهُوَ } ، أي : لَصَبرُكم ذلك ، { خَيْرٌ } لكم من الانتصار بالمعاقبة ، وإنما قيل : { للصابرين } ، مدحاً لهم وثناءً عليهم بالصبر أو وصفاً لهم بصفة تحصل لهم عند تركِ المعاقبةِ ، ويجوز عَودُ الضميرِ إلى مطلق الصبرِ المدلولِ عليه بالفعل ، فيدخُل فيه صبرُهم كدخول أنفسِهم في جنس الصابرين دخولاً أولياً ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.