الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

أخرج الترمذي وحسنه ، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ، ومن المهاجرين ستة ، منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لَنُربِيَنَّ عليهم ، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نصبر ولا نعاقب . . . كفوا عن القوم إلا أربعة » .

وأخرج ابن سعد والبزار وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل ، عن أبي هريرة : «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد ، فنظر إلى منظر لم يَرَ شيئاً قط كان أوجع لقلبه منه ، ونظر إليه قد مثل به فقال : رحمة الله عليك ، فإنك كنت ما علمت وصولاً للرحم ، فعولاً للخيرات ، ولولا حزن من بعدك عليك لسّرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى ، أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك . فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم النحل : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم . . . } الآية . فكفّر النبي عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر » .

وأخرج ابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به : «لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم . فأنزل الله : { وإن عاقبتم . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نصبر يا رب » : فصبر ونهى عن المثلة .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير ، عن الشعبي قال : «لما كان يوم أحد وانصرف المشركون ، فرأى المسلمون بإخوانهم مثله ، جعلوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم . فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن أنالَنَا الله منهم لنفعلن ولنفعلن . . . فأنزل الله { وإن عاقبتم . . . } الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بل نصبر » .

وأخرج ابن إسحق وابن جرير عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة النحل كلها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة يوم أحد حيث قتل حمزة ومثل به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلاً منهم فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط » فأنزل الله : { وإن عاقبتم فعاقبوا . . . } إلى آخر السورة .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، قال : هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله ، ثم نزلت براءة وانسلاخ الأشهر الحرم . قال : فهذا من المنسوخ .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن ابن زيد قال : كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين فأسلم رجال ذو منعة ، فقالوا : يا رسول الله ، لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب . فنزلت هذه الآية ، ثم نسخ ذلك بالجهاد .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، قال : لا تعتدوا .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن محمد بن سيرين في قوله : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، قال : إن أخذ منك رجل شيئاً فخذ منه مثله .