التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

{ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ، المعنى : إن صنع بكم صنع سوء فافعلوا مثله ولا تزيدوا عليه ، والعقوبة في الحقيقة إنما هي الثانية ، وسميت الأولى عقوبة لمشاكلة اللفظ ، ويحتمل أن يكون عاقبتم بمعنى : أصبتم عقبى : في الممتحنة : { فعاقبتم } [ الممتحنة : 11 ] بمعنى : غنمتم فيكون في الكلام تجنيس ، وقال الجمهور : إن الآية نزلت في شأن حمزة بن عبد المطلب لما بقر المشركون بطنه يوم أحد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم " ، فنزلت الآية فكفر النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وترك ما أراد من المثلة ؛ ولا خلاف أن المثلة حرام ، وقد وردت الأحاديث بذلك ؛ ويقتضي ذلك أنها مدنية ، ويحتمل أن تكون الآية عامة ، ويكون ذكرهم لحمزة على وجه المثال ، وتكون على هذا مكية كسائر السورة ؛ واختلف العلماء فيمن ظلمه رجل في مال ، ثم ائتمن الظالم المظلوم على مال هل يجوز له خيانته في القدر الذي ظلمه ، فأجاز ذلك قوم لظاهر الآية ، ومنعه مالك لقوله صلى الله عليه وسلم : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " .

{ ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } ، هذا ندب إلى الصبر وترك عقوبة من أساء إليك فإن العقوبة مباحة ، وتركها أفضل ، والضمير راجع للصبر ، ويحتمل أن يريد بالصابرين هنا العموم ، أو يراد به المخاطبون كأنه قال : خير لكم .