في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

77

ويرق التعبير في جو السكن والطمأنينة ، وهو يشير إلى الظلال والأكنان في الجبال ، وإلى السرابيل تقي في الحر وتقي في الحرب : ( والله جعل لكم مما خلق ظلالا ، وجعل لكم من الجبال أكنانا ، وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم ) وللنفس في الظلال استرواح وسكن ، ولها في الأكنان طمأنينة ووسن ، ولها في السرابيل التي تقي الحر من الأردية والأغطية راحة وفي السرابيل التي تقي البأس من الدروع وغيرها وقاية . . وكلها بسبيل من طمأنينة البيوت وأمنها وراحتها وظلها . . ومن ثم يجيء التعقيب : ( كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) والإسلام استسلام وسكن وركون . .

وهكذا تتناسق ظلال المشهد كله على طريقة القرآن في التصوير .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

وقوله : { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً وجعل لكم من الجبال أكناناً وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } الآية ، نعم عددها الله عليهم بحسب أحوالهم وبلادهم ، وأنها الأشياء المباشرة لهم ؛ لأن بلادهم من الحرارة وقهر الشمس بحيث للظل غناء عظيم ونفع ظاهر ، وقوله : { مما خلق } ، يعم جميع الأشخاص المظلة ، و «الأكنان » جمع كن ، وهو : الحافظ من المطر والريح وغير ذلك ، و «السرابيل » ، جميع ما يلبس على جميع البدن كالقميص والقرقل ، والمجول والدرع والجوشن والخفتان ونحوه{[7391]} ، وذكر وقاية الحر إذا هو أمس في تلك البلاد على ما ذكرنا ، والبرد فيها معدوم في الأكثر ، وإذا جاء في الشتوات فإنما يتوقى بما هو أكثف من السربال المتقدم الذكر ، فتبقى السرابيل لتوقي الحر فقط ، قاله الطبري عن عطاء الخراساني ، ألا ترى أن الله قد نبههم إلى العبرة في البرد ولم يذكر لهم الثلج ؛ لأنه ليس في بلادهم ، قال ابن عباس : إن الثلج شيء أبيض ينزل من السماء ، ما رأيته قط .

قال القاضي أبو محمد : وأيضاً فذكر أحدهما يدل على الآخر ، ومنه قول الشاعر :

وما أدري إذا يممت أرضاً . . . أريد الخير أيهما يليني{[7392]}

قال القاضي أبو محمد : وهذه التي ذكرناها هي بلاد الحجاز ، وإلا ففي بلاد العرب ما فيه برد شديد ، ومنه قول متمم :

إذ القشع من برد الشتاء تقعقعا . . . . ومنه قول الآخر :

في ليلة من جمادى ذات أندية{[7393]} . . . . البيتين ، وغير هذا ، والسرابيل التي تقي البأس ، هي : الدرع ، ومنه قول كعب بن زهير : [ البسيط ]

شم العرانين أبطال لبوسهمُ . . . من نسج داود في الهيجا سرابيل{[7394]}

وقال أوس بن حجر :

ولنعم حشو الدرع والسربال{[7395]} . . . فهذا يراد به القميص ، و «البأس » ، مس الحديد في الحرب ، وقرأ الجمهور : «يتم نعمته » ، وقرأ ابن عباس : «تتم نعمته » ، على أن النعمة هي تتم ، وروي عنه «تتم نعمه » ، على الجمع ، وقرأ الجمهور «تسلمون » من الإسلام ، وقرأ ابن عباس : «تَسلمون » من السلامة ، فتكون اللفظة مخصوصة في بأس الحرب ، وما في «لعل » من الترجي والتوقع فهو في حيز البشر المخاطبين ، أي : لو نظر الناظر هذه الحال لترجى منها إسلامهم .


[7391]:القرقل: ضرب من الثياب، قيل: هو ثوب بغير كمين، وقيل: قميص من قمص النساء بلا لبنة، وجمعه قراقل، ونساء أهل العراق يقولون: قرقر، والجوشن: الدرع على الصدر، أو هو الصدر نفسه، والمراد هنا الدرع. والدرع: قميص المرأة، وثوب صغير تلبسه الجارية في البيت. ويغلب على الظن أن المجول والحفتان من أنواع الملابس التي تختلف أسماؤها باختلاف البلاد والزمان.
[7392]:البيت لسحيم بن وثيل الرياحي، وقد استشهد به الفراء في معاني القرآن، قال: وقوله: {سرابيل تقيكم الحر}، ولم يقل: والبرد، فترك لأن معناه معلوم، ثم ذكر البيت، ويروى ـ "يممت وجها"، يريد: أي الخير والشر يليني؟ لأنه إذا أراد الخير فهو يتقي الشر، وقد وضح الشاعر ما يريد في البيت الذي بعده: أألخير الذي أنا أبتغيـــــــــــــــــه أم الشر الذي هو يبتغينـــــــــــي؟ والبيتان من قصيدته المشهورة التي مطلعها: . أفاطم قبل بينك متعينــــــــــــي ومنعك ما سالت كأن تبينــــــــــي
[7393]:هذا صدر بيت لمرة بن محكان، والبيت بتمامه: في ليلة من جمادى ذات أندية لا يبصر الكلب من ظلمائها الطنبا والأندية: جمع الندى على غير قياس، والندى: ما يسقط بالليل، الطنب (بضم النون وبسكونها): حبل يشد به الحباء والسرادق ونحوهما. يصف الليلة بشدة البرد وشدة الظلام. قال في اللسان بعد أن أورد البيت: "قال الجوهري: هو شاذ؛ لأنه جمع ما كان ممدودا مثل كساء وأكسية، وقيل: جمع ندى على أنداء، وأنداء على نداء، و نداء على أندية، كرداء وأردية".
[7394]:العرانين: جمع عرنين، وهو أول الشيء والمراد هنا: أول الأنف، والشمم: الارتفاع، والسرابيل: الدروع، وهي مصنوعة من الحديد، وهو المراد بقوله: "من نسج داود"، حيث أعطاه الله القدرة على استخدام الحديد في صناعة الدروع لتحمي قومه من بأس الحروب.
[7395]:هذا عجز بيت قاله أوس في قصيدة يرثي بها فضالة بن كلدة. وهو بتمامه: فلنعم رفد الحي ينتظرونه ولنعم حشو الدرع والسربال ورفد الحي: معينهم ومساعدهم ومقدم العطاء لهم، ومعنى "لنعم حشو الدرع والسربال" نعم الرجل فضالة في الفزع والأمن، فهو حشو الدرع في الفزع، وحشو السربال في الأمن، ويكون السربال هو القميص.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا}، يعني: البيوت والأبنية،

{وجعل لكم من الجبال أكنانا}؛ لتسكنوا فيها، يعني: البيوت والأبنية، {وجعل لكم سرابيل تقيكم}، يعني: القمص تقيكم، {الحر}، يعني: من الكتان، والقطن، والصوف،

{وسرابيل تقيكم بأسكم}، من القتل والجراحات، يعني: درع الحديد بإذن الله عز وجل،

{كذلك}، يعني: هكذا،

{يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون}، يعني: لكي تسلموا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ومن نعمة الله عليكم أيها الناس أن جعل لكم مما خلق من الأشجار وغيرها ظلالاً تستظلّون بها من شدّة الحرّ...

وقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبالِ أكْنانا} يقول: وجعل لكم من الجبال مواضع تسكنون فيها... عن قتادة، قوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبالِ أكْنانا}، يقول: غيرانا من الجبال يسكن فيها.

{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ}، يعني: ثياب القطن والكتان والصوف وقمصها... وقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}، يقول: ودروعا تقيكم بأسكم، والبأس: هو الحرب، والمعنى: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم... عن قتادة: {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ}، من هذا الحديد...

وقوله: {كذلكَ يُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْلِمُونَ}، يقول تعالى ذكره: كما أعطاكم ربكم هذه الأشياء التي وصفها في هذه الآيات نعمة منه بذلك عليكم، فكذا يتُمّ نعمته عليكم لعلكم تسلمون. يقول: لتخضعوا لله بالطاعة، وتذلّ منكم بتوحيده النفوس، وتخلصوا له العبادة...

فإن قال لنا قائل: وكيف جعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ، فخصّ بالذكر الحرّ دون البرد، وهي تقي الحرّ والبرد؟ أم كيف قيل: {وجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبالِ أكْنانا}، وترك ذكر ما جعل لهم من السهل؟ قيل له: قد اختُلف في السبب الذي من أجله جاء التنزيل كذلك، وسنذكر ما قيل في ذلك ثم ندلّ على أولى الأقوال في ذلك بالصواب...

عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، قال: إنما نزل القرآن على قدر معرفتهم، ألا ترى إلى قول الله تعالى ذكره: {وَالله جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الجِبالِ أكْنانا}، وما جعل لهم من السهول أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب جبال، ألا ترى إلى قوله: {وَمِنْ أصْوَافِها وأوْبارِها وأشْعارِها أثاثا وَمَتاعا إلى حِينٍ}؟ وما جعل لهم من غير ذلك أعظم منه وأكثر، ولكنهم كانوا أصحاب وَبَر وشَعَر ألا ترى إلى قوله: {ويُنَزّلُ مِنَ السّماءِ منْ جِبَالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ}، يعجّبهم من ذلك؟ وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر، ولكنهم كانوا لا يعرفون به، ألا ترى إلى قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ}، وما تقي من البرد أكثر وأعظم؟ ولكنهم كانوا أصحاب حرّ.

فالسبب الذي من أجله خصّ الله تعالى ذكرهُ السرابيل بأنها تقي الحرّ دون البرد على هذا القول، هو أن المخاطبين بذلك كانوا أصحاب حرّ، فذكر الله تعالى ذكره نعمته عليهم بما يقيهم مكروه ما به عرفوا مكروهه دون ما لم يعرفوا مبلغ مكروهه، وكذلك ذلك في سائر الأحرف الأُخَر. وقال آخرون: ذكر ذلك خاصة اكتفاء بذكر أحدهما من ذكر الآخر، إذ كان معلوما عند المخاطبين به معناه، وأن السرابيل التي تقي الحرّ تقي أيضا البرد... وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: إن القوم خوطبوا على قدر معرفتهم، وإن كان في ذكر بعض ذلك دلالة على ما ترك ذكره لمن عرف المذكور والمتروك؛ وذلك أن الله تعالى ذكره إنما عدّد نعمه التي أنعمها على الذين قُصدوا بالذكر في هذه السورة دون غيرهم، فذكر أياديه عندهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

قوله تعالى {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}

اعلم أن الإنسان إما أن يكون مقيما أو مسافرا، والمسافر إما أن يكون غنيا يمكنه استصحاب الخيام والفساطيط، أو لا يمكنه ذلك فهذه أقسام ثلاثة:

أما القسم الأول: فإليه الإشارة بقوله: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا}.

وأما القسم الثاني: فإليه الإشارة بقوله: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا}

وأما القسم الثالث: فإليه الإشارة بقوله: {والله جعل لكم مما خلق ظلالا} وذلك لأن المسافر إذا لم يكن له خيمة يستظل بها فإنه لا بد وأن يستظل بشيء آخر كالجدران والأشجار وقد يستظل بالغمام كما قال: {وظللنا عليكم الغمام}.

ثم قال: {وجعل لكم من الجبال أكنانا} واحد الأكنان: كن على قياس أحمال وحمل، ولكن المراد كل شيء وقي شيئا، ويقال استكن وأكن إذا صار في كن.

واعلم أن بلاد العرب شديدة الحر، وحاجتهم إلى الظل ودفع الحر شديدة، فلهذا السبب ذكر الله تعالى هذه المعاني في معرض النعمة العظيمة، وأيضا البلاد المعتدلة والأوقات المعتدلة نادرة جدا والغالب إما غلبة الحر أو غلبة البرد. وعلى كل التقديرات فلا بد للإنسان من مسكن يأوي إليه، فكان الإنعام بتحصيله عظيما، ولما ذكر تعالى أمر المسكن ذكر بعده أمر الملبوس فقال: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم} السرابيل: القمص واحدها سربال، قال الزجاج: كل ما لبسته فهو سربال من قميص أو درع أو جوشن أو غيره، والذي يدل على صحة هذا القول أنه جعل السرابيل على قسمين: أحدهما: ما يكون واقيا من الحر والبرد. والثاني: ما يتقي به عن البأس والحروب، وذلك هو الجوشن وغيره، وذلك يدل على أن كل واحد من القسمين من السرابيل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما ذكر ما يخصهم، أتبعه ما يشاركون فيه سائر الحيوانات، فقال: {والله}، أي: الذي له الجلال والإكرام، {جعل لكم}، أي: من غير حاجة منه سبحانه، {مما خلق ظلالاً}، من الأشجار والجبال وغيرها، {وجعل لكم}، أي: مع غناه المطلق، {من الجبال أكناناً}، جمع كن، وهو: ما يستكن به -أي: يستتر- من الكهوف ونحوها، ولو كان الخالق غير مختار لكانت على سنن واحد لا ظلال ولا أكنان؛ ثم أتبع ذلك ما هداهم إليه عوضاً مما جعله لسائر الحيوان فقال: {وجعل لكم}، أي: مَنّاً منه عليكم، {سرابيل}، أي: ثياباً، {تقيكم الحر}، وهي: كل ما لبس من قميص وغيره -كما قال الزجاج.

ولما كانت السرابيل نوعاً واحداً، لم يكرر "جعل"، فقال تعالى: {وسرابيل}، أي: دروعاً ومغافر وغيرها، {تقيكم بأسكم}، أضافه إليهم إفهاماً لأنه الحرب، وذلك كما جعل لبقية الحيوان- من الأصواف ونحوها والأنياب والأظفار ونحوها -ما هو نحو ذلك يمنع من الحر والبرد، ومن سلاح العدو، ولم يذكر سبحانه هنا وقاية البرد لتقدمها في قوله تعالى: {لكم فيها دفء} [النحل:5]. ولما تم ذلك كان كأنه قيل: نبهنا سبحانه بهذا الكلام على تمام نعمة الإيجاد، فهل بعدها من نعمة؟ فقال: نعم! {كذلك}، أي: كما أتم نعمة الإيجاد عليكم هذا الإتمام العظيم بهذه الأمور ونبهكم عليها، {يتم نعمته عليكم} في الدنيا والدين بالهداية والبيان لطريق النجاة والمنافع، والتنبيه على دقائق ذلك بعد جلائله، {لعلكم تسلمون}، أي: ليكون حالكم- بما ترون من كثرة إحسانه بما لا يقدر عليه غيره مع وضوح الأمر، -حال من يرجى منه إسلام انقياده لربه، فلا يسكن ولا يتحرك إلا في طاعته.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردا وعنادا...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وهذا امتنان بنعمة الإلهام إلى التوقّي من أضرار الحرّ والقُرّ في حالة الانتقال، أعقبت به المنّة بذلك في حال الإقامة والسكنى، وبنعمة خلق الأشياء التي يكون بها ذلك التوقّي باستعمال الموجود وصنع ما يحتاج إليه الإنسان من اللباس، إذ خلق الله الظّلال صالحة للتوقّي من حَرّ الشمس، وخلقَ الكهوف في الجبال ليمكن اللجأ إليها، وخلق مواد اللباس مع الإلهام إلى صناعة نسجها، وخلق الحديد لاتّخاذ الدروع للقتال...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

وقال سبحانه وتعالى مما خلق، ولم يذكر شيئا بعينه؛ لأن أنواع ما خلق وكان منه الظلال كثيرة، فالجنات تتفيأ ظلالها بالغدو والآصال والبيوت فيها ظلال، لمن يكون بجوارها، والغمام يكف وهج الشمس وحرارتها، والسحاب تظلل، والنبي صلى الله عليه وسلم، وهو في رحلته إلى الشام كانت السحاب تظله في سيره، وحيثما انتقل انتقلت معه... إنها نعم تغمرنا وتغمر سكان الصحارى ولا يحسون، ولكن إذا حرموها يعرفون مقدار الإنعام، وهي أفعال مختارة يريد وضع الأمور في مواضعها، وكل شيء عند الله تعالى بمقدار وبميزان محكم...

وأكنان جمع كن، وهو ما يتقى بالاستتار فيه تتبع الأعداء، وتربص المتربصين، كما كمن النبي صلى الله عليه وسلم هو وصاحبه أبو بكر في غار ثور ثلاث ليال سويا... وإن هذا كله يدل على أنها أكنان، إما استتارا للعبادة، أو فرارا من عدو متربص، أو كن من مطر غامر، أو استظلال... وإذا كان من العرب من ينحتون من الجبال بيوتا فارهين كما جاء ذلك في قصص القرآن الحكيم، فإن ذلك لم يكن عند أهل الحجاز ونجد ونحوها...

والواقع أن الكلام كله في اتقاء الحر، فذكر الظلال والبيوت والأكنان كل هذا في سياق اتقاء الحر فكان المناسب أن يذكر في مزايا السرابيل أن تقى من الحر...

إذ البأس هو الحرب، كما في قوله: {...والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} [البقرة 177]... وأضاف سبحانه وتعالى البأس إليهم، لأنهم في الجاهلية هم الذين كانوا يثيرونها حروبا شعواء، تدعو إليها العصبية الجاهلية، وتدفع الحمية غير المدركة العاقلة كحرب البسوس، وعبس وذبيان، وغيرهما مما كانوا يثيرونه من حروب، فلم تكن حروبا عادلة؛ ولذا أضيفت إليهم...