الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

ثم قال تعالى : { والله جعل لكم مما خلق ظلالا } [ 81 ] .

يعني : الأشجار والجبال تستظلون بها من الحر والبرد والمطر {[39583]} وقيل : هو السحاب والغمام {[39584]} يظل الناس .

{ من الجبال أكنانا } [ 81 ] .

أي : جعل لكم من الجبال والسهل ، ولكن حذف السهل لدلالة الكلام عليه . { أكنانا } جمع : كن {[39585]} يعني غيرانا يسكن {[39586]} فيها {[39587]} .

{ وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر } [ 81 ] والبرد وحذف/ البرد لدلالة الحر عليه .

[ *** كما قال أريد الخير أيهما يليني***

فحذف الشر لدلالة الخير {[39588]} ] [ عليه {[39589]} ] {[39590]}

والسرابيل جمع سربال . والسربال كل ما لبسته من قميص ودرع وغيره {[39591]} ، يعني : من القطن ، والكتان والصوف {[39592]} .

{ وسرابيل تقيكم بأسكم } [ 81 ] .

يعني : الدروع من الحديد {[39593]} . والبأس {[39594]} هنا الحرب {[39595]} . والمعنى في هذا : خلق {[39596]} لكم ما {[39597]} تتخذون منه {[39598]} هذه السرابيل وأقدركم على عمله وألهمكم ذلك .

فهذه كلها نعم من الله ينبه خلقه عليها ليشكروا الله على ذلك ويعلموا أنه المنفرد بخلق ذلك المدبر لمصالح عباده ، فلا تجب العبادة إلا له .

وإنما خص الجبال بالذكر لأنهم كانوا أصحاب [ جبال {[39599]} ] في بلدهم فخوطبوا بما يعرفون . وترك السهول وما فيها أيضا من الأكنان لدلالة الكلام عليه . وخص ذكر الحر : لأن أكثر زمان العرب في أرض {[39600]} الحجاز وما يليها الحر . فخص ذلك لما {[39601]} يعلمون من ضرره عندهم وترك ذكر البرد لدلالة الحر عليه . وخص ذكر الأصواف والأوبار والأشعار لأنهم كانوا أصحاب إبل وغنم ومعز فخوطبوا بما يعقلون . وترك ذكر القطن ، والكتان ، وغيره ، مما يستعمل منه اللباس لدلالة الكلام عليه . ومن هذا قوله { وينزل من السماء من جبال فيها من برد } {[39602]} فذكر البرد لأنهم كانوا يعرفونه فخوطبوا بما يعرفون وترك ذكر الثلج وهو أكثر نزولا من البرد لأنهم كانوا يعرفونه في بلادهم {[39603]} .

ثم قال [ تعالى {[39604]}ي { كذلك يتم نعمته [ عليكم ] {[39605]} لعلكم تسلمون } [ 81 ] .

أي : أتم نعمته عليكم في هذه النعم المذكورة لتخضعوا {[39606]} لله بالطاعة . وروي عن ابن عباس أنه قرأ : " تسلمون " بفتح التاء واللام {[39607]}ن أي لتسلموا من الحر والجراحات وغيرها .


[39583]:وهو قول قتادة، جامع البيان 14/155 ومعاني الزجاج 3/215.
[39584]:ط: "وقيل هو الغمام والسحاب ...".
[39585]:وهو قول أبي عبيدة.انظر: مجاز القرآن 1/366، ومعاني الزجاج 3/215.
[39586]:ق: تسكنوا.
[39587]:وهو قول قتادة، انظر: جامع البيان 15/155، واللسان (اثث).
[39588]:ساقط من ط.
[39589]:زيادة لازمة ليستقيم الكلام.
[39590]:هذا القول للفراء والبيت من شواهده، وهو بتمامه: وما أدري إذا يممت وجها *** أريد الخير أيهما يليني. والبيت في اللسان (أنم) منسوب للمثقب العبدي وهو في جامع البيان 14/157 الهامش منسوب لسحيم بن وثيل الرياحي وانظره بلا نسبة في معاني الفراء 2/112 وغريب القرآن 248، ومعاني الزجاج 3/215، والمحرر 10/218، والجامع 10/106.
[39591]:وهو قول الزجاج، انظر: معاني الزجاج 3/215، واللسان (سربل).
[39592]:وهو قول ابن جرير، انظر: جامع البيان 14/155.
[39593]:وهو قول قتادة، انظر: جامع البيان 14/155 ومعاني الزجاج 3/216.
[39594]:ط: "اللباس".
[39595]:انظر: هذا القول في غريب القرآن 248 وجامع البيان 14/155.
[39596]:ق: الذي خلق.
[39597]:ق: مما.
[39598]:ق زاد: "والصوف ومنه".
[39599]:ساقط من ق.
[39600]:ق: في أرض في أرض ...
[39601]:ق: بما.
[39602]:النور: 43.
[39603]:هذا تفسير عطاء الخراساني نقله المؤلف مختصرا وهو بتمامه في جامع البيان 14/156، وانظر: الجامع 10/101.
[39604]:ساقط من ط.
[39605]:ساقط من ط. وق: "علنكم".
[39606]:ط: فيخضعوا.
[39607]:انظر: قراءة ابن عباس في جامع البيان 14/156، ومعاني الزجاج 3/216، وشواذ القرآن 77، والجامع 10/106ن وحكاها عن عكرمة أيضا وقال: "وإسناده ضعيف" والدر 5/153.