السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

وأشار إلى القسم الثالث بقوله تعالى : { والله } ، أي : الذي له الجلال والإكرام ، { جعل لكم } ، أي : من غير حاجة منه تعالى ، { مما خلق } ، من شجر وجبال وأبنية وغيرها . وقوله تعالى : { ظلالاً } ، جمع ظل ، تتقون به شدّة الحرّ . وقوله تعالى : { وجعل لكم } ، مع غناه المطلق ، { من الجبال أكناناً } ، جمع كنّ : موضع تسكنون فيه من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها . { وجعل لكم } أي : امتناناً منه عليكم ، { سرابيل } ، جمع سربال . قال الزجاج : كل ما لبسته فهو سربال ، من قميص أو درع أو جوشن أو غيره ، أي : وسواء كان من صوف أو كتان أو قطن أو غير ذلك . { تقيكم الحرّ } ، ولم يقل تعالى والبرد ؛ لتقدّمه في قوله تعالى : { فيها دفء } [ النحل ، 5 ] . وقيل : إنه اكتفى بأحد المتقابلين . وقيل : كان المخاطبون بهذا الكلام العرب ، وبلادهم حارّة ، فكان حاجتهم إلى ما يدفع الحرّ فوق حاجتهم إلى ما يدفع البرد ، كما قال تعالى : { ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها } ، وسائر أنواع الثياب أشرف ، إلا أنه تعالى ذكر ذلك النوع ؛ لأنه كان الفهم بها أشدّ ، واعتيادهم للبسها أكثر ، ولما كانت السرابيل نوعاً واحداً لم يكرّر لفظ جعل ، فقال : { وسرابيل } ، أي : دروعاً من حديد وغيرها . { تقيكم بأسكم } ، أي : حربكم ، أي : في الطعن والضرب فيها . ولما عدّد الله تعالى أنواع نعمه قال : { كذلك } ، أي : كإتمام هذه النعمة المتقدّمة ، { يتمّ نعمته عليكم } في الدنيا والدين ، بالبيان والهداية لطريق النجاة والمنافع ، والتنبيه على دقائق ذلك ، { لعلكم } يا أهل مكة { تسلمون } ، أي : تخلصون لله الربوبية ، وتعلمون أنه لا يقدر على هذه الإنعامات أحد سواه ، وقيل : تسلمون من الجراح بلبس الدروع .