إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

{ والله جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ } ، من غير صنعٍ من قِبلكم ، { ظلالا } ، أشياءَ تستظلون بها من الحر ، كالغمام والشجرِ والجبل وغيرها . امتنّ سبحانه بذلك لِما أن تلك الديارَ غالبةُ الحرارة . { وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الجبال أكنانا } ، مواضعَ تسكنون فيها من الكهوف والغِيران والسُّروب ، والكلام في الترتيب الواقع بين المفاعيل كالذي مرَّ غير مرة .

{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } ، جمع سِربال : وهو كل ما يُلبس ، أي : جعل لكم ثياباً من القُطن والكَتان والصوف وغيرها . { تَقِيكُمُ الحر } ؛ خصّه بالذكر اكتفاءً بذكر أحد الضدّين عن ذكر الآخر ؛ أو لأن وقايتَه هي الأهم عندهم لما مر آنفاً . { وسرابيل } ، من الدروع والجواشن ، { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } ، أي : البأسَ الذي يصل إلى بعضكم من بعض في الحرب من الضرب والطعن ، ولقد منّ الله سبحانه علينا حيث ذكر جميعَ نعمِه الفائضةِ على جميع الطوائف ، فبدأ بما يخُص المقيمين حيث قال : { والله جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } ، ثم بما يخص المسافرين ممن لهم قدرةٌ على الخيام وأضرابِها حيث قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنعام } الخ ، ثم بما يعم من لا يقدر على ذلك ولا يأويه إلا الظلالُ حيث قال : { وَجَعَلَ لَكُمُ مّمَّا خَلَقَ ظلالا } الخ ، ثم بما لا بد منه لأحد حيث قال : { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } الخ ، ثم بما لا غنى عنه في الحروب حيث قال : { وسرابيل تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } ، ثم قال : { كذلك } ، أي : مثلَ ذلك الإتمامِ البالغِ ، { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ، أي : إرادةَ أن تنظروا فيما أسبغ عليكم من النعم الظاهرةِ والباطنةِ والأنفسيةِ والآفاقية ، فتعرِفوا حقَّ مُنعمِها ، فتؤمنوا به وحده وتذروا ما كنتم به تشركون وتنقادوا لأمره ، وإفرادُ النعمة إما لأن المرادَ بها المصدرُ ؛ أو لإظهار أن ذلك بالنسبة إلى جانب الكبرياءِ شيءٌ قليل ، وقرئ : " تَسلمون " ، أي : تسلمون من العذاب أو من الشرك ، وقيل : من الجراح بلبس الدروع .