الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً } ، تستظلون بها من شدة الحر ، وهو ظلال الأشجار والسقوف والأبنية ، { مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً } ، يعني : الغيران والأسراب والمواضع التي تسكنون فيها ، واحدها كنّ ، { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } ، قمصاً من الكتان والقطن والخز والصوف ، { تَقِيكُمُ } ، تمنعكم . { الْحَرَّ } .

[ وقال ] أهل المعاني : [ أراد ] الحر والبرد فأكتفى بأحدهما عن الآخر بدلالة الكلام عليه ، نظيره قوله :{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى } [ الليل : 12 ] ، يعني : الهدي والإضلال .

{ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } ، يعني : الدروع ولباس الحرب ، والمعنى : تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم ، { كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } ، يخضعون له بالطاعة ويخلصون له بالعبادة .

وروى نوفل بن أبي [ عقرب ] ، عن ابن عبّاس أنه قرأ : ( يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) ، بالفتح ، يعني : من الجراحات .

قال أبو عبيد : الاختيار قراءة العامّة ؛ لأن ما أنعم الله علينا في الإسلام أكثر من إنعامه علينا في السلامة من الجراح .

وقال عطاء الخراساني في هذه الآية : إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً } ، وما جعل لكم من السهول أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب جبال .

وقال : { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا } ، وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر . ألا ترى إلى قوله : { وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ } [ النور : 43 ] ، وما ينزل من [ الثلج ] أعظم وأكثر ، ولكنهم كانوا لا يعرفونه ، ألا ترى إلى قوله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ } ، وما يقي من البرد أعظم وأكثر ، ولكنهم ظلوا أصحاب حر .