النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

قوله عز وجل : { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } ، فيه وجهان :

أحدهما : البيوت ، قاله الكلبي .

الثاني{[1747]} : الشجر ، قاله قتادة .

{ وجعل لكم من الجبال أكناناً } ، الأكنان : جمع كِنّ ، وهو الموضع الذي يستكن فيه{[1748]} ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه ظل الجبال .

الثاني : أنه ما فيها من غار أو شَرَف{[1749]} .

{ وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ } ، يعني : ثياب القطن والكتان والصوف .

{ وسرابيل تقيكم بأسكم } ، يعني : الدروع التي تقي البأس ، وهي : الحرب .

قال الزجاج : كل ما لبس من قميص ودروع فهو سربال{[1750]} .

فإن قيل : فكيف قال : { وجعل لكم من الجبال أكناناً } ، ولم يذكر السهل ، وقال : { تقكيم الحر } ، ولم يذكر البرد ؟

فعن ذلك ثلاثة أجوبة :

أحدها : أن القوم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل ، وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد ، فذكر لهم نعمه عليه مما هو مختص بهم ، قاله عطاء .

الثاني : أنه اكتفى بذكر أحدهما عن ذكر الآخر ، إذ كان معلوماً أن من اتخذ من الجبال أكناناً اتخذ من السهل ، والسرابيل التي تقي الحر تقي البرد ، قاله الفراء ، ومثله قول الشاعر :

وما أدري إذا يممتُ أرضاً *** أريد الخير أيهما يليني{[1751]} .

فكنى عن الشر ولم يذكره ؛ لأنه مدلول عليه .

الثالث : أنه ذكر الجبال لأنه قدم ذكر السهل بقوله تعالى : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } ، وذكر الحرَّ دون البرد تحذيراً من حر جهنم وتوقياً لاستحقاقها بالكف عن المعاصي . { كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون{[1752]} } ، أي : تؤمنون بالله إذا عرفتم نعمه عليكم . وقرأ ابن عباس : { لعلكم تسلمون } ، بفتح التاء ، أي : تسلمون من الضرر ، فاحتمل أن يكون عنى ضرر الحر والبرد ، واحتمل أن يكون ضرر القتال والقتل ، واحتمل أن يريد ضرر العذاب في الآخرة إن اعتبرتم وآمنتم{[1753]} .


[1747]:سقط من ق.
[1748]:ويقي الإنسان من المطر والريح وغير ذلك.
[1749]:الشرف: المكان العالي.
[1750]:سقط من ق.
[1751]:البيت للمثقب العبدي، وبعده قوله: أ أ لخير الذي أنا أبتغيه أم الشر الذي هو يبتغيني انظر معجم شواهد العربية للأستاذ عبد السلام هارون (النون المكسورة) وقد استشهد القرطبي بهذين البيتين في هذا الموضع دون أن ينسبهما.
[1752]:رويت هذه القراءة عن ابن عباس بإسناد ضعيف، وقراءة العامة بضم التاء أرجح وهي المختارة.
[1753]:سقط من ق.