التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلَٰلٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡجِبَالِ أَكۡنَٰنٗا وَجَعَلَ لَكُمۡ سَرَٰبِيلَ تَقِيكُمُ ٱلۡحَرَّ وَسَرَٰبِيلَ تَقِيكُم بَأۡسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ يُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡلِمُونَ} (81)

قوله : ( والله جعل لكم مما خلق ظلالا ) ، الظلال ، جمع ظل : وهو كل ما يستظل به من شجرة ونحوها . وقد يستظل كذلك بالغمام أو السحاب{[2581]} .

والظل الرخي الرطيب بفيئة الوارف المرغوب يحتاجه المسافرون والراحلون من مكان إلى آخر في ساعات الهجير حيث استعار الشمس والحرور ، فيدركون عندئذ أن الظل نعمة أيما نعمة . على أن خلْق الظل في ذاته لا جرم دليل على قدرة الصانع ، الذي أوجد في مركبات الطبيعة خواصها ، فجعل فيها الحرارة والبرودة والظل الظليل .

قوله : ( وجعل لكم من الجبال أكنانا ) ، الأكنان ، والأكنة ، جمع ومفرده كنان بالكسر . وهو وقاء كل شيء وستره . واستكن ، استتر . كن الشيء ، أي : ستره وصانه من الشمس . وأكنه في نفسه ؛ أي : أسرّه . والكن بالضم ، بمعنى : الستر . والأكنة : الأغطية{[2582]} . والله يمن على عباده أن جعل لهم من الجبال أماكن يسكنون بها ويستترون ، وذلك كالغيران والكهوف والبيوت المنحوثة . جعلها الله عدة للناس عند الحاجة ، فيأوون إليها ويتحصنون بها من الرياح والمطر والحر ، ويعتزلون بداخلها عن الناس . وها هو رسول رب العالمين ، سيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قد أوى إلى كهف في حراء للتحنث{[2583]} ، ثم من بعده في ثور في طريقه مهاجرا إلى مكة .

قوله : ( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ) ، السرابيل ، جمع ومفرده السربال ، وهو القميص المتخذ من القطن أو الكتان أو الصوف . وقد اكتفى بذكر الحر في الآية ؛ لأن العلم بأحد الضدين وهو الحر ، يستلزم العلم بالضد الآخر وهو البرد .

قوله : ( وسرابيل تقيكم بأسكم ) ، البأس معناه الشدة . والمراد بها ههنا : شدة الطعن والضرب والرمي . والسرابيل التي تدرأ أذى المعتدين عمن يلبسها ، يراد بها : الدروع من الحديد . وهذا يدل على اتخاذ العدة للجهاد للاستعانة بها على قتال الأعداء . ولا مساغ للمسلم أن يستسلم للهوان والطعن والضرب من غير أن يحتاط لنفسه تمام الحيطة ، وأن يتخذ لذلك عدته من لبس لأمة{[2584]} الحرب .

قوله : ( كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) ، الكاف في اسم الإشارة ، صفة لمصدر محذوف ؛ أي مثل ذلك الإتمام يتم الله نعمته عليكم . فمثل ما خلق هذه الأشياء لكم وأنعم بها عليكم ؛ فإنه يتم عليكم نعمة الدنيا والدين ، ( لعلكم تسلمون ) بضم التاء ، وهو قول أكثر المفسرين ؛ أي : تخلصون لله الربوبية ، وتستسلمون لأمره ، وتبادرون لطاعته شكرا لنعمه عليكم .


[2581]:- مختار الصحاح ص 405.
[2582]:- مختار الصحاح ص 580 والقاموس المحيط جـ4 ص 266.
[2583]:- التحنث معناه التعبد. انظر المصباح المنير جـ1 ص 166.
[2584]:- اللأمة: أداة الحرب كلها، من رمح وبيضة، ومغفر وسيف ودرع. انظر المعجم الوسيط جـ2 ص 811.