في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

58

62

( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ) . . لا الذين يقولون بأفواههم ثم لا يحققون مدلول قولهم ؛ ولا يطيعون الله ورسوله .

( وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ) . . والأمر الجامع الأمر الهام الذي يقتضي اشتراك الجماعة فيه ، لرأى أو حرب أو عمل من الأعمال العامة . فلا يذهب المؤمنون حتى يستأذنوا إمامهم . كي لا يصبح الأمر فوضى بلا وقار ولا نظام .

وهؤلاء الذين يؤمنون هذا الإيمان ، ويلتزمون هذا الأدب ، لا يستأذنون إلا وهم مضطرون ؛ فلهم من إيمانهم ومن أدبهم عاصم ألا يتخلوا عن الأمر الجامع الذي يشغل بال الجماعة ، ويستدعي تجمعها له . . ومع هذا فالقرآن يدع الرأي في الإذن أو عدمه للرسول[ صلى الله عليه وسلم ] رئيس الجماعة . بعد أن يبيح له حرية الإذن : ( فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم ) . . [ وكان قد عاتبه على الإذن للمنافقين من قبل فقال : ( عفا الله عنك ! لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) ] . . يدع له الرأى فإن شاء أذن ، وإن شاء لم يأذن ، فيرفع الحرج عن عدم الإذن ، وقد تكون هناك ضرورة ملحة . ويستبقي حرية التقدير لقائد الجماعة ليوازن بين المصلحة في البقاء والمصلحة في الانصراف . ويترك له الكلمة الأخيرة في هذه المسألة التنظيمية يدبرها بما يراه .

ومع هذا يشير إلى أن مغالبة الضرورة ، وعدم الانصراف هو الأولى ؛ وأن الاستئذان والذهاب فيهما تقصير أو قصور يقتضي استغفار النبي [ صلى الله عليه وسلم ] للمعتذرين : ( واستغفر لهم الله . إن الله غفور رحيم ) . . وبذلك يقيد ضمير المؤمن . فلا يستأذن وله مندوحة لقهر العذر الذي يدفع به إلى الاستئذان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

{ إنما } في هذه الآية للحصر اقتضى المعنى لأنه لا يتم إيمان إلا بأن يؤمن المرء { بالله ورسوله } وبأن يكون من الرسول سامعاً غير معنت في أن يكون الرسول يريد إكمال أمر فيريد هو إفساده بزواله في وقت الجمع ونحو ذلك ، و «الأمر الجامع » يراد به ما للإمام حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة ، فأدب الإسلام اللازم في ذلك إذا كان الأمر حاضراً أن لا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه ، فإذا ذهب بإذن ارتفع عنه الظن السيىء ، والإمام الذي يرتقب إذنه في هذه الآية هو إمام الإمرة ، وقال مكحول والزهري الجمعة من «الأمر الجامع » وإمام الصلاة ينبغي أن يستأذن إذا قدمه إمام الإمرة ، إذا كان يرى المستأذن ، ومشى بعض الناس دهراً على استئذان إمام الصلاة وروي أن هرم بن حيان كان يخطب فقام رجل فوضع يده على أنفه وأشار إلى هرم بالاستئذان فأذن له فلما قضيت الصلاة كشف عن أمره أنه إنما ذهب لغير ضرورة .

فقال هرم اللهم أخر رجال السوء لزمان السوء .

قال الفقيه الإمام القاضي : وظاهر الآية إنما يقتضي أن يستأذن أمير الإمرة الذي هو في مقعد النبوة فإنه ربما كان له رأي في حبس ذلك الرجل لأمر من أمور الدين ، فأما إمام الصلاة فقط فليس ذلك إليه لأنه وكيل على جزء من أجزاء الدين للذي هو في مقعد النبوة ، ثم أمر الله تعالى نبيه أن يأذن لمن عرف منه صحة العذر وهم الذين يشاء ، وروي أن هذه الآية نزلت في وقت حفر رسول الله صلى الله عليه وسلم خندق المدينة وذلك أن بعض المؤمنين كان يستأذن لضرورة ، وكان المنافقون يذهبون دون استئذان فأخرج الله تعالى الذين لا يستأذنون عن صنيفة المؤمنين وأمر النبي عليه السلام أن يأذن للمؤمن الذي لا تدعوه ضرورة إلى حبسه وهو الذي يشاء ثم أمره بالاستغفار لصنفي المؤمنين من أذن له ومن لم يؤذن له وفي ذلك تأنيس للمؤمنين ورأفة بهم .