في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

وفي هذا الجو الخاشع الطائع يجيء النداء العلوي للإنسان ، وأمامه الكون بسمائه وأرضه مستسلما لربه هذا الاستسلام :

( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . .

( يا أيها الإنسان ) . . الذي خلقه ربه بإحسان ؛ والذي ميزه بهذه " الإنسانية " التي تفرده في هذا الكون بخصائص كان من شأنها أن يكون أعرف بربه ، وأطوع لأمره من الأرض والسماء . وقد نفخ فيه من روحه ، وأودعه القدرة على الإتصال به ، وتلقي قبس من نوره ، والفرح باستقبال فيوضاته ، والتطهر بها أو الارتفاع إلى غير حد ، حتى يبلغ الكمال المقدر لجنسه ، وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة !

( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ) . . يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحا ، تحمل عبئك ، وتجهد جهدك ، وتشق طريقك . . لتصل في النهاية إلى ربك . فإليه المرجع وإليه المآب . بعد الكد والكدح والجهاد . .

يا أيها الإنسان . . إنك كادح حتى في متاعك . . فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد . إن لم يكن جهد بدن وكد عمل ، فهو جهد تفكير وكد مشاعر . الواجد والمحروم سواء . إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء ، وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان . . ثم في النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء .

يا أيها الإنسان . . إنك لا تجد الراحة في الأرض أبدا . إنما الراحة هناك . لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام . . والتعب واحد في الأرض والكدح واحد - وإن اختلف لونه وطعمه - أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك . . فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض . وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد . .

يا أيها الإنسان . . الذي امتاز بخصائص " الإنسان " . . ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله ، اختر لنفسك الراحة من الكدح عندما تلقاه .

ولأن هذه اللمسة الكامنة في هذا النداء ، فإنه يصل بها مصائر الكادحين عندما يصلون إلى نهاية الطريق ، ويلقون ربهم بعد الكدح والعناء :

( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ، ويصلى سعيرا . إنه كان في أهله مسرورا . إنه ظن أن لن يحور . بلى إن ربه كان به بصيرا ) . .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

ومعنى قوله :{ كادح إلى ربك كدحاً } أي ساع إليه في عملك ، والكدح : عمل الإنسان وجهده في الأمر من الخير والشر حتى يكدح ذلك فيه ، أي يؤثر . وقال قتادة والكلبي الضحاك : عامل لربك عملاً ، { فملاقيه } أي ملاقي جزاء عملك خيراً كان أو شراً .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

{ يا أيها الإنسان } خطاب للجنس .

{ إنك كادح إلى ربك } الكدح في اللغة هو الجد والاجتهاد والسرعة فالمعنى : أنك في غاية الاجتهاد في السير إلى ربك لأن الزمان يطير وأنت في كل لحظة تقطع حظا من عمرك القصير فكأنك سائر مسرع إلى الموت ثم تلاقي ربك ، وقيل : المعنى إنك ذو جد فيما تعمل من خير أو شر ثم تلقى ربك فيجازيك به والأول أظهر لأن كادح تعدى بإلى لما تضمن معنى السير ولو كان بمعنى العمل لقال لربك .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحٗا فَمُلَٰقِيهِ} (6)

قوله : { ياأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه } الإنسان ههنا اسم جنس والمراد به ابن آدم . والكدح معناه ، العمل والسعي والكدّ والكسب . والمعنى : يا ابن آدم إنك ساع إلى ربك سعيا فملاقيه به سواء كان سعيك خيرا أو شرا ، فاحذر الآخرة وسوء الحساب ، واعمل من الخير والطاعة ما تنجو به يوم اللقاء .