في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

204

بعد ذلك يتخذ السياق أسلوبا جديدا في التحذير من عاقبة الانحراف عن الدخول في السلم واتباع خطوات الشيطان . فيتحدث بصيغة الغيبة بدلا من صيغة الخطاب :

( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ؟ وقضي الأمر ، وإلى الله ترجع الأمور ) . .

وهو سؤال استنكاري عن علة انتظار المترددين المتلكئين الذين لا يدخلون في السلم كافة . ما الذي يقعد بهم عن الاستجابة ؟ ماذا ينتظرون ؟ وماذا يرتقبون ؟ تراهم سيظلون هكذا في موقفهم حتى يأتيهم الله - سبحانه - في ظلل من الغمام وتأتيهم الملائكة ؟ وبتعبير آخر : هل ينتظرون ويتلكأون حتى يأتيهم اليوم الرعيب الموعود ، الذي قال الله سبحانه : إنه سيأتي فيه في ظلل من الغمام ، ويأتي الملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ؟

وفجأة - وبينما نحن أمام السؤال الاستنكاري الذي يحمل طابع التهديد الرعيب - نجد أن اليوم قد جاء ، وأن كل شيء قد انتهى ، وأن القوم أمام المفاجأة التي كان يلوح لهم بها ويخوفهم إياها :

( وقضي الأمر ) . .

وطوي الزمان ، وأفلتت الفرصة ، وعزت النجاة ، ووقفوا وجها لوجه أمام الله ؛ الذي ترجع إليه وحده الأمور :

( وإلى الله ترجع الأمور ) . .

إنها طريقة القرآن العجيبة ، التي تفرده وتميزه من سائر القول . الطريقة التي تحيي المشهد وتستحضره في التو واللحظة ، وتقف القلوب إزاءه وقفة من يرى ويسمع ويعاني ما فيه !

فإلى متى يتخلف المتخلفون عن الدخول في السلم ؛ وهذا الفزع الأكبر ينتظرهم ؟ بل هذا الفزع الأكبر يدهمهم ! والسلم منهم قريب . السلم في الدنيا والسلم في الآخرة يوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا . يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا . يوم يقضي الأمر . . وقد قضي الأمر ! ( وإلى الله ترجع الأمور ) . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

{ هل ينظرون } استفهام في معنى النفي ولذلك جاء بعده . { إلا أن يأتيهم الله } أي يأتيهم أمره أو بأسه كقوله تعالى : { أو يأتي أمر ربك } { فجاءها بأسنا } أو يأتيهم الله ببأسه فحذف المأتي به للدلالة عليه بقوله تعالى : { إن الله عزيز حكيم } { في ظلل } جمع ظلة كقلة وقلل وهي ما أظلك ، وقرئ " ظلال " كقلال . { من الغمام } السحاب الأبيض وإنما يأتيهم العذاب فيه لأنه مظنة الرحمة ، فإذا جاء منه العذاب كان أفظع لأن الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير . { والملائكة } فإنهم الواسطة في إتيان أمره ، أو الآتون على الحقيقة ببأسه . وقرئ بالجر عطفا على { ظلل } أو { الغمام } { وقضي الأمر } أتم أمر إهلاكهم وفرغ منه ، وضع الماضي موضع المستقبل لدنوه وتيقن وقوعه . وقرئ و " قضاء الأمر " عطفا على الملائكة { وإلى الله ترجع الأمور } قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم على البناء للمفعول على أنه من الراجع ، وقرأ الباقون على البناء للفاعل بالتأنيث غير يعقوب على أنه من الرجوع ، وقرئ أيضا بالتذكير وبناء المفعول .