فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

{ ينظرون } ينتظرون . { الغمام } السحاب .

{ قضي الأمر } فرغ منه .

{ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله } ما ينتظرون إلا أن يجيئهم المولى سبحانه فالاستفهام ب{ هل } هنا قد يراد بها النفي { ينظرون } بمعنى ينتظرون وقيل : المأتي به محذوف . والمعنى إلا أن يأتيهم الله ببأسه أو بنقمته وفائدة الحذف كونه أبلغ في الوعيد لانقسام خواطرهم وذهاب فكرتهم في كل وجه ؛ اليهود كانوا على اعتقاد التشبيه ويجوزون المجيء والذهاب على الله تعالى ويقولون إنه تعالى تجلى لموسى عليه السلام على الطور في ضلل الغمام فطلبوا مثل ذلك في زمن محمد صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون الكلام حكاية عن معتقد اليهود ولا يبقى إشكال فإن الآية لا تدل إلا على أن قوما ينتظرون إتيان الله وليس فيها دلالة على أنهم محقون في ذلك الانتظار أم مبطلون -{[655]} . ومما أورد صاحب الجامع{[656]} لأحكام القرآن : { هل ينظرون } يعني التاركين للدخول في السلم و{ هل } يراد بها هنا الجحد . . وقال الزجاج : التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة وكما أنه سبحانه أحدث فعلا سماه نزولا واستواء كذلك يحدث فعلا يسميه إتيانا ، وأفعاله بلا آلة ولا علة سبحانه ؛ . . . ولا يجوز أن يحمل هذا وما أشبهه مما جاء في القرآن والخبر على وجه الانتقال والحركة والزوال لأن ذلك من صفات الأجرام والأجسام ، تعالى الكبير المتعال ذو الجلال والإكرام عن مماثلة الأجسام علوا كبيرا ، والغمام السحاب الرقيق الأبيض سمي بذلك لأنه يغم أي يستر .

{ وقضي الأمر } . . . وقع الجزاء وعذب أهل العصيان . . { وإلى الله ترجع الأمور } والأمور كلها راجعة إلى الله قبل وبعد وإنما نبه بذكر ذلك يوم القيامة على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا . 1ه .


[655]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.
[656]:لكن صاحب جامع البيان -أبو جعفر محمد بن جرير الطبري- أورد ما نصه عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (توقفون موقفا واحدا يوم القيامة مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم قد حصر عليكم فتبكون حتى ينقطع الدمع ثم تدمعون دما وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم الأذقان أو يلجمكم فتصيحون ثم تقولون من يشفع لنا إلى ربنا فيقضى بيننا فيقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم فيطلب ذلك إليه فيأبى ثم يستقرءون الأنبياء نبيا نبيا كلما جاؤوا نبيا أبى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتوني فإذا جاؤوني خرجت حتى آتي الفحص، قال أبو هريرة: يا رسول الله وما الفحص؟ قال قدام العرش فأخر ساجدا حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي فيرفعني ثم يقول الله لي يا محمد فأقول نعم وهو أعلم فيقول ما شأنك فأقول يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم فيقول قد شفعتك أنا آتيكم فأقضي بينكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف حتى وقف مع الناس فبينما نحن وقوف سمعنا حسا من السماء شديدا فهالنا فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم فقلنا أفيكم ربنا قالوا لا وهو آت ثم نزل أهل السماء الثانية بمثل ما نزل من الملائكة وبمثل ما فيها من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم فقلنا لهم أفيكم ربنا قالوا لا وهو آت ثم نزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة وبمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم فقلنا لهم أفيكم ربنا قالوا لا وهو آت ثم نزل أهل السموات على عدد ذلك من التضعيف حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة ولهم زجل من تسبيحهم يقولون سبحان ذي الملك والملكوت سبحان رب العرش ذي الجبروت سبحان الذي لا يموت الذي يميت الخلائق ولا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح القدوس سبحان ربنا الأعلى سبحان ذي السلطة والعظمة سبحانه أبدا أبدا فينزل تبارك وتعالى يحمل عرشه يومئذ ثمانية وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والسموات إلى حجزهم والعرش على مناكبهم فوضع الله عز وجل عرشه حيث يشاء من الأرض ينادي مناد يسمع الخلائق فيقول يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع كلامكم وأبصر أعمالكم فأنصتوا إلي فإنما هي صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه فيقضي الله عز وجل بين خلقه الجن والإنس والبهائم فإنه ليقتص يومئذ للجماء من ذات القرن). بينما أورد صاحب تفسير غرائب القرآن: وأما إتيان الله فلقد أجمع المفسرون على أنه سبحانه منزه عن المجيء والذهاب لأن هذا من شأن المحدثات والمركبات ولأنه تعالى أزلي فرد في ذاته وصفاته فذكروا في الآية وجهين الأول هو مذهب السلف الصالح -السكوت في مثل هذه الألفاظ عن التأويل..من التأويل. الثاني..جعل مجيء الآيات مجيئا له وقيل المراد إتيان أمره وبأسه فحذف المضاف.1 هـ.