السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

قوله تعالى : { هل ينظرون } استفهام في معنى النفي أي : ما ينظرون { إلا أن يأتيهم الله } أي : أمره أو بأسه كقوله تعالى : { أو يأتي أمر ربك } ( النحل ، 33 ) أي : عذابه وقوله تعالى : { جاءهم بأسنا } ( الأنعام ، 43 ) أو { يأتيهم الله ببأسه } فحذف المأتيّ به للدلالة عليه بقوله تعالى : { إن الله عزيز حكيم } .

{ في ظلل } جمع ظلة وهي ما أظلك { من الغمام } أي : من السحاب الأبيض سمي غماماً لأنه يغم أي : يستر ، وإنما يأتيهم العذاب فيه لأنه مظنة الرحمة وهي نزول المطر فإذا جاء منه العذاب كان أفظع ؛ لأنّ الشر إذا جاء من حيث لا يحتسب كان أصعب ، فكيف إذا جاء من حيث يحتسب الخير .

{ و } تأتيهم { الملائكة } فإنهم الواسطة في إتيان أمره أو الآتون على الحقيقة ببأسه . قال البغويّ : والأولى في هذه الآية وفيما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها ويكل علمها إلى الله تعالى ، ويعتقد أن الله تعالى منزه عن سمات الحوادث وعلى ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة انتهى .

وأما أئمة الخلف فإنهم يؤوّلون هذه الآية بنحو ما أوّلنا به وأمثالها ، بحسب المقام وهو أحكم ، ومذهب السلف أسلم ، وكان مكحول ومالك والليث وأحمد يقولون في هذا وأمثاله : أمرّوها كما جاءت بلا كيف .

{ وقضي الأمر } أي : أمر هلاكهم وفرغ منهم ووضع الماضي موضع المستقبل لدنوّه وتيقن وقوعه { وإلى الله ترجع الأمور } في الآخرة فيجازيهم ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضمّ التاء وفتح الجيم وقوله تعالى :