جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

{ هَلْ يَنظُرُونَ } ، استفهام بمعنى النفي ، { إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ {[371]} اللّهُ } ، مذهب السلف الإيمان بمثل ذلك ووكول علمه إلى الله تعالى ، أو تقديره : يأتيهم باسمه ، { فِي ظُلَلٍ } ، جمع ظلة ، { مِّنَ الْغَمَامِ {[372]} } ، السحاب الأبيض ، والعذاب إذا جاء من مكان يجيء الخير منه يكون أصعب ، { وَالْمَلآئِكَةُ } ، هو على الحقيقة ، { وَقُضِيَ الأَمْرُ } : تم أمر هلاكهم ، أو فرغ من حسابهم فأوقعوا من عقابهم وذلك يوم القيامة ، { وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ } ، فيجازيهم .


[371]:لفصل القضاء/12 منه
[372]:السحاب الأبيض "كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم حين قالوا: أين كان ربنا قبل خلق العرش؟ قال: كان في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء" [حديث ضعيف أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة، وانظر ضعيف ابن ماجة]، ومذهب السلف الصالح الإيمان بمثل ذلك ووكل العلم إلى الله سبحانه/12 وجيز. وفي الفتح أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "قال: يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياماً شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي" [ذكره ابن كثير في التفسير، 1/249 واستغربه]، وعن ابن عمر قال: يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب منها النور والظلمة والماء فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا ينخلع له القلوب، وعن ابن عباس: يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب، قد قطعت طاقات. وفي الخازن روى الطبري في تفسيره بسند متصل عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "قال: ظلل من الغمام طاقات يأتي الله عز وجل فيها محفوفاً" وذلك قوله: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر" انتهى. [أخرجه ابن جرير والديلمي بسند ضعيف، وانظر الدر المنثور للسيوطي،1/433. واعلم أن إتيانه تعالى ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء ثابت بهذه الآية وآية "هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك" [الأنعام: 158]، "وجاء ربك والملك صفا صفا" [الفجر: 22] وغيرها من الأحاديث والآثار فذهب أهل التحقيق إلأى الإيمان بظواهر هذه الآيات وسائر آيات الصفات وأحاديثها، ووجوب الاعتقاد بظواهرها، والإيمان بها كما جاءت، ووكول العلم إلى الله سبحانه مع تنزيهه سبحانه عن التشبيه والتمثيل والتحريف والتبديل والتعطيل، وهو قول سلف هذه الأمة وأئمتها، وكان ابن عيينة والزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك والثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يقولون في هذه الآية وأمثالها: اقرءوها كما جاءت بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل، وأما تأويل إتيان الله تعالى ومجيئه بإتيان عذابه فخلاف ما عليه السلف، وتحريف لكتاب الله وزيادة فيه، فالقول الثاني قول مردود ؛ لأنه يئول إلى نفي صفة ثابتة بكتاب الله وكتاب رسوله صلى الله عليه وسلم وهو قول أهل الإلحاد في صفاته ولله در من أنشد في هذا المعنى: عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ولا ذاتـــه شيء عقيدة صائـب نسلم آيات الصفات بأسرها وإجـــرائها للظاهر المتقــارب ونركب للتسليم سفنا فإنهـا لتسليم دين المرء خير المراكب