فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (210)

قوله { هَلْ يَنظُرُونَ } أي : ينتظرون ، يقال نظرته وانتظرته بمعنى ، والمراد هل ينتظر التاركون للدخول في السلم ، والظُّللَ جمع ظُلَّة ، وهي ما يظلك ، وقرأ قتادة ، ويزيد بن القعقاع : «في ظلال » وقرأ يزيد أيضاً " والملئكة " بالجرّ عطفاً على الغمام ، أو على ظلل . قال الأخفش : { والملائكة } الخفض بمعنى : وفي الملائكة ؛ قال : والرفع أجود . وقال الزجاج : التقدير في ظلل من الغمام ، ومن الملائكة ، والمعنى : هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام ، والملائكة . قال الأخفش : وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعاً إلى الجزاء ، فسمي الجزاء إتياناً كما سمي التخويف ، والتعذيب في قصة ثمود إتياناً ، فقال { فَأَتَى الله بنيانهم منَ القواعد }

[ النحل : 26 ] وقال في قصة النضير { فأتاهم الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } [ الحشر : 2 ] وإنما احتمل الإتيان هذا ؛ لأن أصله عند أهل اللغة القصد إلى الشيء ، فمعنى الآية : هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلاً من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم . وقيل إن المعنى : يأتيهم أمر الله وحكمه ، وقيل : إن قوله : { فِي ظُلَلٍ } بمعنى يظلل ، وقيل : المعنى : يأتيهم ببأسه في ظلل . والغمام : السحاب الرقيق الأبيض ، سمي بذلك ؛ لأنه يغم . أي : يستر . ووجه إتيان العذاب في الغمام على تقدير أن ذلك هو المراد ما في مجيء الخوف من محل الأمن من الفظاعة ، وعظم الموقع ؛ لأن الغمام مظنة الرحمة لا مظنة العذاب .

وقوله : { وَقُضِىَ الأمر } عطف على { يأتيهم } داخل في حيز الانتظار ، وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه ؛ فكأنه قد كان ، أو جملة مستأنفة جيء بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة ، أي : وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم . وقرأ معاذ بن جبل : «وقضاءَ الأمر » بالمصدر عطفاً على الملائكة . وقرأ يحيى بن يَعْمُر : «وقضى الأمور » بالجمع . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : { تُرْجَعُ الأمور } على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الباقون على البناء للمفعول .

/خ210