في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

كما يصور طريقتهم في مقاومة هذه الحقيقة في نفوس الجماهير ، وتثبيتهم على ما هم عليه من عقيدة موروثة متهافتة . وإيهامهم أن وراء الدعوة الجديدة خبيئاً غير ظاهرها ؛ وأنهم هم الكبراء العليمون ببواطن الأمور ، مدركون لما وراء هذه الدعوة من خبيء ! ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ) . . فليس هو الدين ، وليست هي العقيدة ، إنما هو شيء آخر يراد من وراء هذه الدعوة . شيء ينبغي أن تدعه الجماهير لأربابه ، ولمن يحسنون فهم المخبآت وإدراك المناورات ! وتنصرف هي إلى عادتها الموروثة ، وآلهتها المعروفة ، ولا تعني نفسها بما وراء المناورة الجديدة ! فهناك أربابها الكفيلون بمقاومتها . فلتطمئن الجماهير ، فالكبراء ساهرون على مصالحهم وعقائدهم وآلهتهم !

إنها الطريقة المألوفة المكرورة التي يصرف بها الطغاة جماهيرهم عن الاهتمام بالشؤون العامة ، والبحث وراء الحقيقة ، وتدبر ما يواجههم من حقائق خطرة . ذلك أن اشتغال الجماهير بمعرفة الحقائق بأنفسهم خطر على الطغاة ، وخطر على الكبراء ، وكشف للأباطيل التي يغرقون فيها الجماهير . وهم لا يعيشون إلا بإغراق الجماهير في الأباطيل !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

{ وانطلق الملأ منهم } : وانطلق أشراف قريش من مجلس أبي طالب بعدما بكتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . { أن امشوا } قائلين بعضهم لبعض { امشوا } . { اصبروا } واثبتوا . { على آلهتكم } على عبادتها فلا ينفعكم مكالمته ، و{ أن } هي المفسرة لأن الانطلاق عن مجلس التقاول يشعر بالقول . وقيل المراد بالانطلاق الاندفاع في القول ، و{ امشوا } من مشت المرأة إذا كثرت أولادها ومنه الماشية أي اجتمعوا ، وقرئ بغير { أن } وقرئ " يمشون أن اصبروا " { إن هذا لشيء يراد } إن هذا الأمر لشيء من ريب الزمان يراد بنا فلا مرد له ، أو أن هذا الذي يدعيه من التوحيد أو يقصده أو يقصده من الرئاسة ، والترفع على العرب والعجم لشيء يتمنى أو يريده كل أحد ، أو أن دينكم لشيء يطلب ليؤخذ منكم .