في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

71

وحين يصل السياق إلى هذا الحد من تقويم عيوب الصف ؛ التي تؤثر في موقفه في الجهاد وفي الحياة - ومنذ أول الدرس وهذا التقويم مطرد لهذه العيوب - عندئذ ينتهي إلى قمة التحضيض على القتال الذي جاء ذكره في ثنايا الدرس . قمة التكليف الشخصي ، الذي لا يقعد الفرد عنه تبطئة ولا تخذيل ، ولا خلل في الصف ، ولا وعورة في الطريق . حيث يوجه الخطاب إلى الرسول [ ص ] بأن يقاتل - ولو كان وحيدا - فإنه لا يحمل في الجهاد إلا تبعة شخصه [ ص ] وفي الوقت ذاته يحرض المؤمنين على القتال . . وكذلك يوحي إلى النفوس بالطمأنينة ورجاء النصر : فالله هو الذي يتولى المعركة . والله أشد بأسا وأشد تنكيلا :

( فقاتل في سبيل الله - لا تكلف إلا نفسك - وحرض المؤمنين . عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا . والله أشد بأسا وأشد تنكيلا ) . .

ومن خلال هذه الآية - بالإضافة إلى ما قبلها - تبرز لنا ملامح كثيرة في الجماعة المسلمة يومذاك . كما تبرز لنا ملامح كثيرة في النفس البشرية في كل حين :

" أ " يبرز لنا مدى الخلخلة في الصف المسلم ؛ وعمق آثار التبطئة والتعويق والتثبيط فيه ؛ حتى لتكون وسيلة الاستنهاض والاستجاشة ، هي تكليف النبي [ ص ] أن يقاتل في سبيل الله - ولو كان وحده - ليس عليه إلا نفسه ؛ مع تحريض المؤمنين . غير متوقف مضيه في الجهاد على استجابتهم أو عدم استجابتهم ! ولو أن عدم استجابتهم - جملة - أمر لا يكون . ولكن وضع المسألة هذا الوضع يدل على ضرورة إبراز هذا التكليف على هذا النحو ؛ واستجاشة النفوس له هذه الاستجاشة . فوق ما يحمله النص - طبعا - من حقيقة أساسية ثابتة في التصور الإسلامي . وهي أن كل فرد لا يكلف إلا نفسه . .

" ب " كما يبرز لنا مدى المخاوف والمتاعب في التعرض لقتال المشركين يومذاك . . حتى ليكون أقصى ما يعلق الله به رجاء المؤمنين : أن يتولى هو سبحانه كف بأس الذين كفروا ؛ فيكون المسلمون ستارا لقدرته في كف بأسهم عن المسلمين . . مع إبراز قوة الله - سبحانه - وأنه أشد بأسا وأشد تنكيلا . . وإيحاء هذه الكلمات واضح عن قوة بأس الذين كفروا يومذاك ؛ والمخاوف المبثوثة في الصف المسلم . . وربما كان هذا بين أحد والخندق . فهذه أحرج الأوقات التي مرت بها الجماعة المسلمة في المدينة ؛ بين المنافقين ، وكيد اليهود ، وتحفز المشركين ! وعدم اكتمال التصور الإسلامي ووضوحه وتناسقه بين المسلمين !

" ج " كذلك تبرز لنا حاجة النفس البشرية ؛ وهي تدفع إلى التكاليف التي تشق عليها ، إلى شدة الارتباط بالله ؛ وشدة الطمأنينة إليه ؛ وشدة الاستعانة به ؛ وشدة الثقة بقدرته وقوته . . فكل وسائل التقوية غير هذه لا تجدي حين يبلغ الخطر قمته . وهذه كلها حقائق يستخدمها المنهج الرباني ؛ والله هو الذي خلق هذه النفوس . وهو الذي يعلم كيف تربى وكيف تقوى وكيف تستجاش وكيف تستجيب . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفۡسَكَۚ وَحَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأۡسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأۡسٗا وَأَشَدُّ تَنكِيلٗا} (84)

{ فقاتل في سبيل الله } أن تثبطوا وتركوك وحدك . { لا تكلف إلا نفسك } إلا فعل نفسك لا يضرك مخالفتهم وتقاعدهم ، فتقدم إلى الجهاد وإن لم يساعدك أحد فإن الله ناصرك لا الجنود . روي ( أنه عليه الصلاة والسلام دعا الناس في بدر الصغرى إلى الخروج فكرهه بعضهم فنزلت . فخرج صلى الله عليه وسلم وما معه إلا سبعون لم يلو على أحد ) . وقرئ لا { تكلف } بالجزم ، و " لا نكلف " بالنون على بناء الفاعل أي لا نكلفك إلا فعل نفسك ، لا أنا لا نكلف أحدا إلا نفسك لقوله : { وحرض المؤمنين } على القتال إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض { عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا } يعني قريشا ، وقد فعل بأن ألقى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا . { والله أشد بأسا } من قريش . { وأشد تنكيلا } تعذيبا منهم ، وهو تقريع وتهديد لمن لم يتبعه .