في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

( ألا لله الدين الخالص ) . .

يعلنها هكذا مدوية عالية في ذلك التعبير المجلجل . بأداة الافتتاح( ألا )وفي أسلوب القصر ( لله الدين الخالص ) . فيؤكد معناها بالبناء اللفظي للعبارة . . فهي القاعدة التي تقوم عليها الحياة كلها . بل التي يقوم عليها الوجود كله . ومن ثم ينبغي أن ترسخ وتتضح وتعلن في هذا الأسلوب الجازم الحاسم : ( ألا لله الدين الخالص ) . .

ثم يعالج الأسطورة المعقدة التي كان المشركون يواجهون بها دعوة التوحيد .

والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون . إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار . .

فلقد كانوا يعلنون أن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض . . ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة في إفراد الخالق إذن بالعبادة ، وفي إخلاص الدين لله بلا شريك . إنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه . ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها فيها . ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة - وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة - ليست عبادة لها في ذاتها ؛ إنما هي زلفى وقربى لله . كي تشفع لهم عنده ، وتقربهم منه !

وهو انحراف عن بساطة الفطرة واستقامتها ، إلى هذا التعقيد والتخريف . فلا الملائكة بنات الله . ولا الأصنام تماثيل للملائكة . ولا الله - سبحانه - يرضى بهذا الانحراف . ولا هو يقبل فيهم شفاعة . ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق !

وإن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة كلما انحرفت عن التوحيد الخالص البسيط الذي جاء به الإسلام وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة مع كل رسول . وإنا لنرى اليوم في كل مكان عبادة للقديسين والأولياء تشبه عبادة العرب الأولين للملائكة - أو تماثيل الملائكة - تقرباً إلى الله - بزعمهم - وطلباً لشفاعتهم عنده . وهو سبحانه يحدد الطريق إليه . طريق التوحيد الخالص الذي لا يتلبس بوساطة أو شفاعة على هذا النحو الأسطوري العجيب !

( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) . .

فهم يكذبون على الله . يكذبون عليه بنسبة بنوة الملائكة إليه ؛ ويكذبون عليه بأن هذه العبادة تشفع لهم عنده ! وهم يكفرون بهذه العبادة ؛ ويخالفون فيها عن أمر الله الواضح الصريح .

والله لا يهدي من يكذب عليه ، ويكفر به . فالهداية جزاء على التوجه والإخلاص والتحرج ، والرغبة في الهدى ، وتحري الطريق . فأما الذين يكذبون ويكفرون فهم لا يستحقون هداية الله ورعايته . وهم يختارون لأنفسهم البعد عن طريقه .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

شرح الكلمات :

{ لله الدين الخالص } : أي له وحده خالص العبادة لا يشاركه في ذلك احد سواه .

{ أولياء } : أي شركاء وهي الأصنام .

{ ليقربونا إلى الله زلفى } : أي تقريباً وتشفع لنا عند الله .

{ من هو كاذب كفار } : أي كاذب أي على الله كفار بعبادته غير الله تعالى .

المعنى :

{ ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء } أي شركاء يعبدونهم ويقولون { ما نعبدهم إلاَّ ليقربونا إلى الله زلفى } أي تقريبا ويشفعوا لنا عند الله في قضاء حوائجنا هؤلاء يحكم الله بينهم في ما هم فيه مختلفون مع المؤمنين الموحدين وذلك يوم القيامة وسيجزي بعدله كلا بما يستحقه من إنعام وتكريم أو شقاء وتعذيب . وقوله تعالى { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } يخبر تعالى بحرمان أناس من هدايته وهم الذين توغلوا في الفساد فكذبوا على الله تعالى وعلى عباده وأصبح الكذب وصفاً لازما لهم ، وكفروا وبالغوا في الكفر بالله وآياته ورسوله ولقائه فأصبح الكفر وصفاً ثابتاً لهم ، ‘ذ هذه سنته في حرمان العبد من الهداية ليمضي فيه حكم الله باشقائه وتعذيبه يوم القيامة

الهداية :

من الهداية :

- بطلان الشرك والتنديد بالمشركين .

- تقرير البعث والجزاء يوم القيامة

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

" ألا لله الدين الخالص " أي الذي لا يشوبه شيء . وفي حديث الحسن عن أبي هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله إني أتصدق بالشيء وأصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده لا يقبل الله شيئا شورك فيه ) ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا لله الدين الخالص " وقد مضى هذا المعنى في " البقرة " و " النساء " و " الكهف " مستوفى .

الثانية- قال ابن العربي : هذه الآية دليل على وجوب النية في كل عمل ، وأعظمه الوضوء الذي هو شطر الإيمان ، خلافا لأبي حنيفة والوليد بن مسلم عن مالك اللذين يقولان أن الوضوء يكفي من غير نية ، وما كان ليكون من الإيمان شطرا ولا ليخرج الخطايا من بين الأظافر والشعر بغير نية .

قوله تعالى : " والذين اتخذوا من دونه أولياء " يعني الأصنام والخبر محذوف . أي قالوا : " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " قال قتادة : كانوا إذا قيل لهم من ربكم وخالقكم ؟ ومن خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء ؟ قالوا الله ، فيقال لهم ما معنى عبادتكم الأصنام ؟ قالوا ليقربونا إلى الله زلفى ، ويشفعوا لنا عنده . قال الكلبي : جواب هذا الكلام في الأحقاف " فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة " [ الأحقاف : 28 ] والزلفى القربة ، أي ليقربونا إليه تقريبا ، فوضع " زلفى " في موضع المصدر . وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس ومجاهد " والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " وفي حرف أُبيّ ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدكم إلا لتقربونا إلى الله زلفى " ذكره النحاس . قال : والحكاية في هذا بينة . " إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون " أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلا بما يستحق . " إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار " أي من سبق له القضاء بالكفر لم يهتد ؛ أي للدين الذي ارتضاه وهو دين الإسلام ، كما قال الله تعالى : " ورضيت لكم الإسلام دينا " وفي هذا رد على القدرية وغيرهم على ما تقدم .