الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

{ أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص } والخالص والمخلص : واحد ، إلاّ أن يصف الدين بصفة صاحبه على الإسناد المجازي . كقولهم : شعر شاعر ، وأما من جعل { مُخْلِصاً } حالاً من العابد ، و { لَّهُ الدين } مبتدأ وخبراً ، فقد جاء بإعراب رجع به الكلام إلى قولك : لله الدين { أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص } أي : هو الذي وجب اختصاصه بأن تخلص له الطاعة من كل شائبة كدر ، لاطلاعه على الغيوب والأسرار ، ولأنه الحقيق بذلك ، لخلوص نعمته عن استجرار المنفعة بها . وعن قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله . وعن الحسن : الإسلام { والذين اتخذوا } يحتمل المتخذين وهم الكفرة ، والمتخذين ، وهم الملائكة وعيسى واللات والعزّى : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، فالضمير في { اتخذوا } على الأوّل راجع إلى الذين ، وعلى الثاني إلى المشركين ، ولم يجر ذكرهم لكونه مفهوماً ، والراجع إلى الذين محذوف والمعنى : والذين اتخذهم المشركون أولياء ، { والذين اتخذوا } في موضع الرفع على الابتداء .

فإن قلت : فالخبر ما هو ؟ قلت : هو على الأوّل إما { إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أو ما أضمر من القول قبل قوله : { مَا نَعْبُدُهُمْ } . وعلى الثاني : أن الله يحكم بينهم .

فإن قلت : فإذا كان { إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } الخبر ، فما موضع القول المضمر ؟ قلت : يجوز أن يكون في موضع الحال ، أي : قائلين ذلك . ويجوز أن يكون بدلاً من الصلة فلا يكون له محلّ ، كما أنّ المبدل منه كذلك . وقرأ ابن مسعود بإظهار القول : «قالوا ما نعبدهم » وفي قراءة أبيّ : ما نعبدكم إلا لتقربونا على الخطاب ، حكاية لما خاطبوا به آلهتهم . وقرىء : «نعبدهم » بضم النون اتباعاً للعين كما تتبعها الهمزة في الأمر ، والتنوين في { عَذَاب اركض } والضمير في { بَيْنَهُمْ } لهم ولأوليائهم . والمعنى : أن الله يحكم بينهم بأنه يدخل الملائكة وعيسى الجنة ، ويدخلهم النار مع الحجارة التي نحتوها وعبدوها من دون الله يعذبهم بها حيث يجعلهم وإياها حصب جهنم .

واختلافهم : أن الذين يعبدون موحدون وهم مشركون ، وأولئك يعادونهم ويلعنونهم ، وهم يرجون شفاعتهم وتقريبهم إلى الله زلفى . وقيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم : من خلق السموات والأرض ، أقرّوا وقالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام ؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ؛ فالضمير في { بَيْنَهُمْ } عائد إليهم وإلى المسلمين . والمعنى : أن الله يحكم يوم القيامة بين المتنازعين من الفريقين ، والمراد بمنع الهداية : منع اللطف تسجيلاً عليهم بأن لا لطف لهم ، وأنهم في علم الله من الهالكين . وقرىء : «كذاب وكذوب » وكذبهم : قولهم في بعض من اتخذوا من دون الله أولياء : بنات الله . ولذلك عقبه محتجاً عليهم بقوله : { لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاصطفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاء } .