فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

سوّلت لهم شياطينهم أن يزعموا-افتراء على الحق-أن الشركاء وسطاء يُتَوصّل بهم إلى مرضاة الملك الكبير { . . ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . . } ، ويزعمون أن من تَوَلَّوْهُمْ من دون المتفرد بالإيجاد والرزق والإمداد ، إنما يتوسلون بهم إلى العليّ الأعلى ، ويوسطونهم للقرب منه-تعالى الله عما يقولون-{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب . . } وسيجزيهم الله وصفهم ؛ ويوم القيامة يكفرون بشركهم ؛ وهم ومن رضي أن يُعبد من دون الله حصب جهنم ، ولن يهتدوا أبدا لا في عاجلهم ولا في آجلهم-بظلمهم أنفسهم- وما ظلمهم ربهم ؛ فقد جاءهم الحق ودعاهم رسولهم : { . . فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الظالمين } وهؤلاء كذبوا على أنفسهم وكذبوا على رسولهم وكذبوا على ربهم ، وجحدوا وجود الوهاب وفضله ، فهل تعلم أكذب من هؤلاء أو أكفر منهم ؟ { . . وإن تدعوهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا }{ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا } .

يقول القرطبيّ : { إن الله يحكم بينهم } أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلا بما يستحق . أه .

مما قال الألوسي في معنى قول الله تبارك وتعالى : { إلا ليقربونا إلى الله زلفى } : والاستثناء مفرغ من أعم العلل ، و{ زلفى } مصدر مؤكد على غير لفظ المصدر أي : والذين لم يخلصوا العبادة لله تعالى بل شابوها بعبادة غيره سبحانه قائلين : ما نعبدهم لشيء من الأشياء إلا ليقربونا إلى الله تعالى تقريبا . أه .

ورفع قوله { تنزيل } بقوله { من الله } ؛ وتأويل الكلام : من الله العزيز الحكيم تنزيل الكتاب . . عن مجاهد في قوله : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } قال : قريش تقوله للأوثان ؛ ومن قبلهم يقوله للملائكة ولعيسى ابن مريم ولعزير .

وفيه إبطال ما يقوله المشركون من أن محمدا يقوله من تلقاء نفسه ، وفي قوله : { من الله } إشارة إلى الذات المستحق للعبادة والطاعة ، كقولك ، هذا كتاب من فلان-تعظم به شأن الكتاب- وفي قوله : { العزيز } إشارة إلى أن هذا الكتاب حق قبوله فكتاب العزيز عزيز ، وفيه : أنه غني عن إرسال الكتاب والاستكمال به ، وإنما ينتفع به المرسل إليهم .