فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ} (3)

وجملة { أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص } مستأنفة مقرّرة لما قبلها من الأمر بالإخلاص ، أي : إن الدين الخالص من شوائب الشرك ، وغيره هو لله ، وما سواه من الأديان ، فليس بدين الله الخالص الذي أمر به . قال قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله { والذين اتخذوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء } لما أمر سبحانه بعبادته على وجه الإخلاص ، وأن الدين الخالص له لا لغيره بيّن بطلان الشرك الذي هو مخالف للإخلاص ، والموصول عبارة عن المشركين ، ومحله الرفع على الابتداء ، وخبره قوله : { إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } وجملة { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى } في محل نصب على الحال بتقدير القول ، والاستثناء مفرّغ من أعمّ العلل ، والمعنى : والذين لم يخلصوا العبادة لله ، بل شابوها بعبادة غيره قائلين : ما نعبدهم لشيء من الأشياء إلا ليقرّبونا إلى الله تقريباً ، والضمير في نعبدهم راجع إلى الأشياء التي كانوا يعبدونها من الملائكة وعيسى والأصنام ، وهم : المرادون بالأولياء ، والمراد بقولهم : { إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى } الشفاعة ، كما حكاه الواحدي عن المفسرين .

قال قتادة : كانوا إذا قيل لهم : من ربكم وخالقكم ومن خلق السماوات والأرض ، وأنزل من السماء ماء ؟ قالوا : الله ، فيقال لهم : ما معنى عبادتكم للأصنام ؟ قالوا : ليقرّبونا إلى الله زلفى ويشفعوا لنا عنده . قال الكلبي : جواب هذا الكلام قوله في سورة الأحقاف : { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله قُرْبَاناً ءالِهَةَ } [ الأحقاف : 28 ] . والزلفى اسم أقيم مقام المصدر ، كأنه قال : إلا ليقرّبونا إلى الله تقريباً . وفي قراءة ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد : " قالوا ما نعبدهم " ، ومعنى { إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } أي بين أهل الأديان يوم القيامة فيجازي كلا بما يستحقه . وقيل بين المخلصين للدين وبين الذين لم يخلصوا ، وحذف الأوّل لدلالة الحال عليه ، ومعنى { فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } في الذي اختلفوا فيه من الدين بالتوحيد والشرك ، فإن كلّ طائفة تدّعي أن الحقّ معها { إِنَّ الله لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ كاذب كَفَّارٌ } أي لا يرشد لدينه ، ولا يوفق للاهتداء إلى الحقّ من هو كاذب في زعمه : أن الآلهة تقربه إلى الله ، وكفر باتخاذها آلهة ، وجعلها شركاء لله ، والكفار صيغة مبالغة تدلّ على أن كفر هؤلاء قد بلغ إلى الغاية . وقرأ الحسن والأعرج كذاب على صيغة المبالغة ككفار ، ورويت هذه القراءة عن أنس .

/خ6