يعلنها هكذا مدوية عالية في ذلك التعبير المجلجل . بأداة الافتتاح( ألا )وفي أسلوب القصر ( لله الدين الخالص ) . فيؤكد معناها بالبناء اللفظي للعبارة . . فهي القاعدة التي تقوم عليها الحياة كلها . بل التي يقوم عليها الوجود كله . ومن ثم ينبغي أن ترسخ وتتضح وتعلن في هذا الأسلوب الجازم الحاسم : ( ألا لله الدين الخالص ) . .
ثم يعالج الأسطورة المعقدة التي كان المشركون يواجهون بها دعوة التوحيد .
والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون . إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار . .
فلقد كانوا يعلنون أن الله خالقهم وخالق السماوات والأرض . . ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة في إفراد الخالق إذن بالعبادة ، وفي إخلاص الدين لله بلا شريك . إنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه . ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها فيها . ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة - وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة - ليست عبادة لها في ذاتها ؛ إنما هي زلفى وقربى لله . كي تشفع لهم عنده ، وتقربهم منه !
وهو انحراف عن بساطة الفطرة واستقامتها ، إلى هذا التعقيد والتخريف . فلا الملائكة بنات الله . ولا الأصنام تماثيل للملائكة . ولا الله - سبحانه - يرضى بهذا الانحراف . ولا هو يقبل فيهم شفاعة . ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق !
وإن البشرية لتنحرف عن منطق الفطرة كلما انحرفت عن التوحيد الخالص البسيط الذي جاء به الإسلام وجاءت به العقيدة الإلهية الواحدة مع كل رسول . وإنا لنرى اليوم في كل مكان عبادة للقديسين والأولياء تشبه عبادة العرب الأولين للملائكة - أو تماثيل الملائكة - تقرباً إلى الله - بزعمهم - وطلباً لشفاعتهم عنده . وهو سبحانه يحدد الطريق إليه . طريق التوحيد الخالص الذي لا يتلبس بوساطة أو شفاعة على هذا النحو الأسطوري العجيب !
( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) . .
فهم يكذبون على الله . يكذبون عليه بنسبة بنوة الملائكة إليه ؛ ويكذبون عليه بأن هذه العبادة تشفع لهم عنده ! وهم يكفرون بهذه العبادة ؛ ويخالفون فيها عن أمر الله الواضح الصريح .
والله لا يهدي من يكذب عليه ، ويكفر به . فالهداية جزاء على التوجه والإخلاص والتحرج ، والرغبة في الهدى ، وتحري الطريق . فأما الذين يكذبون ويكفرون فهم لا يستحقون هداية الله ورعايته . وهم يختارون لأنفسهم البعد عن طريقه .
{ ألا لله الدين الخالص } قيل : معناه من حقه ومن واجبه أن يكون له الدين الخالص ويحتمل أن يكون معناه إن الدين الخالص هو دين الله وهو الإسلام الذي شرعه لعباده ولا يقبل غيره ومعنى الخالص الصافي من شوائب الشرك ، وقال قتادة : الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله ، وقال الحسن : هو الإسلام وهذا أرجح لعمومه . { والذين اتخذوا من دونه أولياء } يريد بالأولياء الشركاء المعبودين ، ويحتمل أن يريد ب{ الذين اتخذوا } الكفار العابدين لهم أو الشركاء المعبودين والأول أظهر لأنه يحتاج على الثاني إلى حذف الضمير العائد على الذين تقديره الذين اتخذوهم ويكون ضمير الفاعل في { اتخذوا } عائدا على غير مذكور وارتفاع الذين على الوجهين بالابتداء وخبره إما قوله : { إن الله يحكم بينهم } أو المحذوف المقدر قبل قوله : { ما نعبدهم } لأن تقديره يقولون ما نعبدهم والأول أرجح لأن المعنى به أكمل .
{ ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } هذه الجملة في موضع معمول قول محذوف والقول في موضع الحال أو في موضع بدل من صلة الذين ، وقرأ ابن مسعود قالوا ما نعبدهم بإظهار القول أي : يقول الكفار ما نعبد هؤلاء الآلهة إلا ليقربونا إلى الله ويشفعوا لنا عنده ويعني بذلك الكفار الذين عبدوا الملائكة أو الذين عبدوا الأصنام أو الذين عبدوا عيسى أو عزير فإن جميعهم قالوا هذه المقالة ومعنى زلفى قربى فهو مصدر من يقربونا .
{ إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } إشارة إلى كذبهم في قولهم ليقربونا إلى الله وقوله { لا يهدي } في تأويله وجهان :
أحدهما : لا يهديه في حال كفره .
الثاني : أن ذلك مختص بمن قضى عليه بالموت على الكفر أعاذنا الله من ذلك وهذا تأويل : لا يهدي القوم الظالمين والكافرين حيثما وقع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.