في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

( ولم يكن له كفوا أحد ) . . أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه( أحد ) ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض . وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة العربية حيث للفرس دولة وسلطان ! !

ختام السورة:

هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة " الكافرون " نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

وقوله : { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } أي : ليس له ولد ، ولا والد ، ولا صاحبة .

قال مجاهد : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } يعني : لا صاحبة له .

وهذا كما قال تعالى : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 101 ] أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه ، أو قريب يدانيه ، تعالى وتقدس وتنزه . قال الله تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا } [ مريم : 88 -95 ] ، وقال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 26 ، 27 ] ، وقال تعالى : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 158 ، 159 ] ، وفي الصحيح -صحيح البخاري- : " لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، إنهم يجعلون له ولدا ، وهو يرزقهم ويعافيهم " {[30794]} .

وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هُرَيرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله ، عز وجل : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يُعيدَني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته . وأما شتمه إياي فقوله : اتخذ الله ولدًا . وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد " .

ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن همام بن مُنَبِّه ، عن أبي هريرة ، مرفوعًا بمثله . تفرد بهما من هذين الوجهين{[30795]}

آخر تفسير سورة " الإخلاص "


[30794]:صحيح البخاري برقم (6099) من حديث أبي موسى، رضي الله عنه.
[30795]:صحيح البخاري برقم (4974) وبرقم (4975).

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} (4)

في معنى التذييل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها لأن تلك الصفات المتقدمة صريحَها وكنايتها وضمنيَّها لا يشبهه فيها غيره ، مع إفادة هذه انتفاء شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالى : { إن الذين تدعون من دون اللَّه لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له } [ الحج : 73 ] .

والواو في قوله : { ولم يكن له كفؤاً } اعتراضية ، وهي واو الحال ، كالواو في قوله تعالى : { وهل يجازى إلا الكفور } [ سبأ : 17 ] فإنها تذييل لجملة { ذلك جَزَيْنَاهم بما كفروا } [ سبأ : 17 ] ، ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذييل تبعاً للمعنى ، والنكت لا تتزاحم .

والكُفُؤ : بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره . وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر ، إلا أن الثلاثة الأولين حَققوا الهمزة وأبو جعفر سهَّلها ويقال : « كُفْء » بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز ، وبه قرأ حمزة ويعقوب ، ويقال : { كفواً } بالواو عوض الهمز ، وبه قرأ حفص عن عاصم وهي لغات ثلاث فصيحة .

ومعناه : المساوي والمماثل في الصفات .

و { أحد } هنا بمعنى إنسان أو موجود ، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيّز النفي .

وحصل بهذا جناس تام مع قوله : { قل هو الله أحد } .

وتقديم خبر ( كان ) على اسمها للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بذكر الكُفؤ عقب الفعل المنفي ليكون أسبق إلى السمع .

وتقديم المجرور بقوله : { له } على متعلَّقه وهو { كفؤاً } للاهتمام باستحقاق الله نفي كفاءة أحد له ، فكان هذا الاهتمام مرجحاً تقديم المجرور على متعلَّقه وإن كان الأصل تأخير المتعلَّق إذا كان ظرفاً لغواً . وتأخيره عند سيبويه أحسن ما لم يقتض التقديمَ مقتضٍ كما أشار إليه في « الكشاف » .

ختام السورة:

وقد وردت في فضل هذه السورة أخبار صحيحة وحسنة استوفاها المفسرون . وثبت في الحديث الصحيح في « الموطأ » و« الصحيحين » من طرق عدة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " { قل هو اللَّه أحد } تعدل ثلث القرآن " .

واختلفت التأويلات التي تأول بها أصحاب معاني الآثار لهذا الحديث ويجمعها أربعة تأويلات :

الأول : أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب القراءة ، أي تعدل ثلث القرآن إذا قُرىء بدونها حتى لو كررها القارىء ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله .

الثاني : أنها تعدل ثلث القرآن إذا قرأها من لا يحسن غيرها من سورة القرآن .

الثالث : أنها تعدل ثلث معاني القرآن باعتبار أجناس المعاني لأنّ معاني القرآن أحكام وأخبار وتوحيد ، وقد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة الإِسلامية ما لم يجمعه غيرها .

وأقول : إن ذلك كان قبل نزول آيات مثلها مثل آية الكرسي ، أو لأنه لا توجد سورة واحدة جامعة لما في سورة الإخلاص .

التأويل الرابع : أنها تعدل ثلث القرآن في الثواب مثل التأويل الأول ولكن لا يكون تكريرها ثلاث مرات بمنزلة قراءة ختمة كاملة .

قال ابن رشد في « البيان والتحصيل »{[1]} : أجمع العلماء على أن من قرأ : { قل هو اللَّه أحد } ثلاثَ مرات لا يساوي في الأجر من أحَيَا بالقرآن كله اه . فيكون هذا التأويل قيداً للتأويل الأول ، ولكن في حكايته الإِجماع على أن ذلك هو المراد نظر ، فإن في بعض الأحاديث ما هو صريح في أن تكريرها ثلاث مرات يعدل قراءة ختمة كاملة .

قال ابن رشد : واختلافهم في تأويل الحديث لا يرتفع بشيء منه عن الحديث الإِشكال ولا يتخلص عن أن يكون فيه اعتراض .

وقال أبو عمر بن عبد البر السكوت على هذه المسألة أفضل من الكلام فيها .


[1]:محمد بن علي البصري الشافعي المعتزلي المتوفى سنة 439هـ له كتاب "المعتمد في أصول الفقه".