في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

48

وكانت الاستجابة سريعة ومباشرة : ( فاستجبنا له ، ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه )وكانت عقيما لا تصلح للنسل . . ويختصر السياق تفصيلات هذا كله ليصل مباشرة إلى استجابة الله للدعاء .

( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ) . . فسارع الله في استجابة الدعاء .

( ويدعوننا رغبا ورهبا ) . . رغبة في الرضوان ورهبة للغضب . فقلوبهم وثيقة الصلة دائمة التطلع . ( وكانوا لنا خاشعين ) . . لا متكبرين ولا متجبرين . .

بهذه الصفات في زكريا وزوجه وابنهما يحيى استحق الوالدان أن ينعم عليهما بالابن الصالح . فكانت أسرة مباركة تستحق رحمة الله ورضاه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

قال الله تعالى : { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أي : امرأته .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير : كانت عاقرا لا تلد ، فولدت .

وقال عبد الرحمن بن مهدي{[19846]} ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء : كان في لسانها طول فأصلحها الله . وفي رواية : كان في خَلْقها شيء فأصلحها الله . وهكذا قال محمد بن كعب ، والسدّي . والأظهر من السياق الأول .

وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } أي : في عمل القُرُبات وفعل الطاعات ، { وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا } قال الثوري : { رَغَبًا } فيما عندنا ، { وَرَهَبًا } مما عندنا ، { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي مصدقين بما أنزل الله . وقال مجاهد : مؤمنين حقا . وقال أبو العالية : خائفين . وقال أبو سِنَان : الخشوع هو الخوف اللازم للقلب ، لا يفارقه أبدًا . وعن مجاهد أيضًا { خَاشِعِينَ } أي : متواضعين . وقال الحسن ، وقتادة ، والضحاك : { خَاشِعِينَ } أي : متذللين لله عز وجل . وكل هذه الأقوال متقاربة . وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسيّ ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق بن{[19847]} عبد الله القرشي ، عن عبد الله بن حكيم قال : خطبنا أبو بكر ، رضي الله عنه ، ثم قال : أما بعد ، فإني أوصيكم بتقوى الله ، وتُثنُوا عليه بما هو له أهل ، وتخلطوا الرغبة بالرهبة ، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة ، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته ، فقال : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } .


[19846]:- في ت : "ابن منبه".
[19847]:- في ت ، ف : "عن".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَوَهَبۡنَا لَهُۥ يَحۡيَىٰ وَأَصۡلَحۡنَا لَهُۥ زَوۡجَهُۥٓۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَيَدۡعُونَنَا رَغَبٗا وَرَهَبٗاۖ وَكَانُواْ لَنَا خَٰشِعِينَ} (90)

{ فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه }

إصلاح زوجه : جعلها صالحة للحمل بعد أن كانت عاقراً .

وتقدم ذكر زكرياء في سورة آل عمران وذكر زوجه في سورة مريم .

{ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى الخيرات وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشعين }

جملة واقعة موقع التعليل للجمل المتقدمة في الثناء على الأنبياء المذكورين ، وما أوتوه من النصر ، واستجابة الدعوات ، والإنجاء من كيد الأعداء ، وما تبع ذلك ، ابتداءً من قوله تعالى : { ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء } [ الأنبياء : 48 ] . فضمائر الجمع عائدة إلى المذكورين . وحرف التأكيد مفيد معنى التعليل والتسبب ، أي ما استحقّوا ما أوتوه إلا لمبادرتهم إلى مسالك الخير وجدّهم في تحصيلها .

وأفاد فعل الكون أن ذلك كان دأبَهم وهجِّيراهم .

والمسارعة : مستعارة للحرص وصرف الهمة والجِدّ للخيرات ، أي لفعلها ، تشبيهاً للمداومة والاهتمام بمسارعة السائر إلى المكان المقصود الجادّ في مسالكه .

والخيرات : جمع خَيْر بفتح الخاء وسكون الياء وهو جمع بالألف والتاء على خلاف القياس فهو مثل سرادقات وحمامات واصطبلات . والخير ضدّ الشرّ ، فهو ما فيه نفع . وأما قوله تعالى : { فيهن خيرات حِسان } [ الرحمن : 70 ] فيحتمل أنه مثل هذا ، ويحتمل أنه جمع خَيْرة بفتح فسكون الذي هو مخفف خَيِّره المشدّد الياء ، وهي المرأة ذات الأخلاق الخيرية . وقد تقدم الكلام على { الخَيْرات } في قوله تعالى : { وأولئك لهم الخيرات } في [ سورة براءة : 88 ] . وعطف على ذلك أنهم يدْعُون الله رغبةً في ثوابه ورهبة من غضبه ، كقوله تعالى : { يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه } [ الزمر : 9 ] .

والرغَب والرهَب بفتح ثانيهما مصدران من رغب ورهب . وهما وصف لمصدر { يدعوننا } لبيان نوع الدعاء بما هو أعم في جنسه ، أو يقدر مضاف ، أي ذوي رغب ورهب ، فأقيم المضاف إليه مقامه فأخذ إعرابه .

وذكر فعل الكون في قوله تعالى : { وكانوا لنا خاشعين } مثل ذكره في قوله تعالى : { كانوا يسارعون } .

والخشوع : خوف القلب بالتفكر دون اضطراب الأعضاء الظاهرة .