في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

26

( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ، ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ، أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) .

( والذين كسبوا السيئات جزاء سيئه بمثلها وترهقهم ذلة ، مالهم من الله من عاصم ، كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ، أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )

كانت آخر آية في الدرس السابق : ( والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) . .

فهنا يبين عن قواعد الجزاء للمهتدين ولغير المهتدين . ويكشف عن رحمة الله وفضله ، وعن قسطه وعدله في جزاء هؤلاء وهؤلاء .

فأما الذين أحسنوا . أحسنوا الاعتقاد ، وأحسنوا العمل ، وأحسنوا معرفة الصراط المستقيم ، وإدراك القانون الكوني المؤدي إلى دار السلام . . فأما هؤلاء فلهم الحسنى جزاء ما أحسنوا ، وعليها زيادة من فضل الله غير محدودة :

( للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) . .

وهم ناجون من كربات يوم الحشر ، ومن أهوال الموقف قبل أن يفصل في أمر الخلق :

( ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ) . .

والقتر : الغبار والسواد وكدرة اللون من الحزن أو الضيق . والذلة : الانكسار والمهانة أو الإهانة . فلا يغشى وجوههم قتر ولا تكسو ملامحهم الذلة . . والتعبير يوحي بأن في الموقف من الزحام والهول والكرب والخوف والمهانة ما يخلع آثاره على الوجوه ، فالنجاة من هذا كله غنيمة ، وفضل من الله يضاف إلى الجزاء المزيد فيه . .

( أولئك ) . . أصحاب هذه المنزلة العالية البعيدة الآفاق ( أصحاب الجنة )وملاكها ورفاقها ( هم فيها خالدون ) .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله{[14189]} الحسنى في الدار الآخرة ، كما قال تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] .

وقوله : { وَزِيَادَة } هي{[14190]} تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وزيادة على ذلك [ أيضا ]{[14191]} ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القُصُور والحُور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه{[14192]} الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته{[14193]} وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله{[14194]} الكريم ، عن أبي بكر الصديق ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس [ قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت ]{[14195]} وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعامر بن سعد ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم من السلف والخلف .

وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد :

حدثنا عفان ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه . فيقولون : وما هو ؟ ألم يُثقِّل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار ؟ " . قال : " فيكشف{[14196]} لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " .

وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة ، من حديث حماد بن سلمة ، به . {[14197]}

وقال ابن جرير : أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أخبرنا شبيب ، عن أبان{[14198]} عن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمي ؛ أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي : يا أهل الجنة - بصَوْت يُسْمعُ أوَّلهم وآخرهم - : إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى : الجنة . وزيادة : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " . {[14199]}ورواه أيضا ابنُ أبي حاتم ، من حديث أبي بكر الهُذلي{[14200]} عن أبي تميمة الهجيمي ، به .

وقال ابن جرير أيضًا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا إبراهيم بن المختار{[14201]} عن ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، عن كعب بن عُجْرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل . {[14202]} وقال أيضا : حدثنا ابن عبد الرحيم{[14203]} حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، سمعت زهيرًا عمن سمع أبا العالية ، حدثنا أبيّ بن كعب : أنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : " الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله عز وجل " . {[14204]} ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ، به .

وقوله تعالى : { وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ } أي : قتام وسواد في عَرَصات المحشر ، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القُتْرة والغُبْرة ، { وَلا ذِلَّةٌ } أي : هوان وصغار ، أي : لا يحصل لهم إهانة في الباطن ، ولا في الظاهر ، بل هم كما قال تعالى في حقهم : { فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } أي : نضرة في وجوههم ، وسرورًا في قلوبهم ، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته ، آمين .


[14189]:- في ت ، أ : "أن لهم".
[14190]:- في ت ، أ : "تشمل هي".
[14191]:- زيادة من ت ، أ.
[14192]:- في ت : "وجه".
[14193]:- في ت : "ورحمته".
[14194]:- في ت : "وجهه".
[14195]:- زيادة من ت ، أ.
[14196]:- في ت : "فكشف".
[14197]:- صحيح مسلم برقم (181) ورواه الترمذي في السنن برقم (2552) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11234) وابن ماجه في السنن برقم (187).
[14198]:- في ت ، أ : "وأبان".
[14199]:- تفسير الطبري (15/65) وابن وهب روى عن شبيب مناكير وأبان بن أبي عياش ضعيف.
[14200]:- في ت : "الهذل".
[14201]:- في ت : "المختار به".
[14202]:- تفسير الطبري (15/68) ورواه أبو نعيم في الحلية (5/204) من طريق محمد بن حميد به ، وقال : "غريب من حديث عطاء وابن جريج تفرد به إبراهيم بن المختار". وإبراهيم بن المختار ضعيف.
[14203]:- في أ : "عبد الرحمن".
[14204]:- تفسير الطبري (15/69) ورواه اللالكائي في السنة برقم (780) من طرق الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عمن سمع أبا العالية يحدث عن أبي بن كعب فذكره مرفوعا.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞ وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (26)

{ للذين أحسنوا الحسنى } المثوبة الحسنى . { وزيادة } وما يزيد على المثوبة تفضلا لقوله : { ويزيدهم من فضله } وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر ، وقيل الزيادة مغفرة من الله ورضوان ، وقيل الحسنى الجنة والزيادة هي اللقاء . { ولا يرهق وجوههم } لا يغشاها . { قترٌ{ غبرة فيها سواد . { ولا ذلّة } هوان ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أولا يرهقهم ما يوجب ذلك من حزن وسوء حال . { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } دائمون لا زوال فيها ولا انقراض لنعيمها بخلاف الدنيا وزخارفها .