ويسمع يوسف هذا القول في مجتمع النساء المبهورات ، المبديات لمفاتنهن في مثل هذه المناسبات . ونفهم من السياق أنهن كن نساء مفتونات فاتنات في مواجهته وفي التعليق على هذا القول من ربة الدار ؛ فإذا هو يناجي ربه :
( قال : رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ) . .
ولم يقل : ما تدعوني إليه . فهن جميعا كن مشتركات في الدعوة . سواء بالقول أو بالحركات واللفتات . . وإذا هو يستنجد ربه أن يصرف عنه محاولاتهن لإيقاعه في حبائلهن ، خيفة أن يضعف في لحظة أمام الإغراء الدائم ، فيقع فيما يخشاه على نفسه ، ويدعو الله أن ينقذه منه :
( وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) . .
وهي دعوة الإنسان العارف ببشريته . الذي لا يغتر بعصمته ؛ فيريد مزيدا من عناية الله وحياطته ، يعاونه على ما يعترضه من فتنة وكيد وإغراء .
{ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال بعضهم : بقولهن . وقال محمد بن إسحاق : بل{[15145]} بَلَغهُنَّ حُسْنُ يوسف ، فأحببن أن يرينه ، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته ، فعند ذلك { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي : دعتهن إلى منزلها لتضيفهن { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً }
قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والحسن ، والسدي ، وغيرهم : هو المجلس المعد ، فيه مفارش ومخاد وطعام ، فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج{[15146]} ونحوه . ولهذا قال تعالى : { وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا } وكان هذا مكيدة منها ، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته ، { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر ، { فَلَمَّا } خرج و { رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي : أعظمن شأنه ، وأجللن قدره ؛ وجعلن يقطعن أيديهن دَهَشا برؤيته ، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج{[15147]} بالسكاكين ، والمراد : أنهن حززن أيديهن بها ، قاله غير واحد .
وعن مجاهد ، وقتادة : قطعن أيديهن حتى ألقينها ، فالله{[15148]} أعلم .
وقد ذكر عن زيد بن أسلم أنها قالت لهن بعدما أكلن وطابت أنفسهن ، ثم وضعت بين أيديهن أترجا{[15149]} وآتت كل واحدة منهن سكينا : هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن : نعم . فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن{[15150]} فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن ، ثم أمرته أن يرجع فرجع ليرينه مقبلا ومدبرا ، وهن يحززن في أيديهن ، فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن ، فقالت : أنتن من نظرة واحدة فعلتن هكذا ، فكيف ألام أنا ؟ فقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ، ثم قلن لها : وما نرى عليك من لوم بعد الذي رأينا ، لأنهن لم يرين في البشر شبهه ولا قريبا منه ، فإنه ، صلوات الله عليه وسلم{[15151]} كان قد أعطي شطر الحسن ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف ، عليه السلام ، في السماء الثالثة ، قال : " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " {[15152]} وقال حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن " {[15153]} وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .
وقال أبو إسحاق أيضا ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كان وجه يوسف مثل البرق ، وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به .
ورواه الحسن البصري مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطى الناس الثلثين - أو قال : أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث " {[15154]} وقال سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد عن ربيعة الجُرَشي قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن . والنصف الآخر بين سائر الخلق .
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي : معناه : أن يوسف كان على النصف من حسن آدم ، عليه السلام ، فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها ، ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله ، وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه .
فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته : { حَاشَ لِلَّهِ } قال مجاهد وغير واحد : معاذ الله ، { مَا هَذَا بَشَرًا } وقرأ بعضهم : " ما هذا بِشِرىً " أي : بمشترى .
{ إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يحبّ لجماله وكماله .
{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ } أي : فامتنع . قال بعضهم : لما رأين جماله الظاهر ، أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن ، وهي{[15155]} العفة مع هذا الجمال ، ثم قالت تتوعد{[15156]} { وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ } فعند ذلك استعاذ يوسف ، عليه السلام ، من شرهن وكيدهن ، وقال : { رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } أي : من الفاحشة ، { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ } أي : إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي من نفسي قدرة ، ولا أملك لها ضرا ولا نفعا إلا بحولك وقوتك ، أنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي .
{ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } وذلك أن يوسف ، عليه السلام ، عَصَمه الله عصمة عظيمة ، وحماه فامتنع منها أشد الامتناع ، واختار السجن على ذلك ، وهذا في غاية مقامات الكمال : أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته ، وهي امرأة عزيز مصر ، وهي مع هذا في{[15157]} غاية الجمال والمال ، والرياسة ويمتنع من ذلك ، ويختار السجن على ذلك ، خوفا من الله ورجاء ثوابه .
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله{[15158]} ورجل قلبه معلق بالمسجد{[15159]} إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا{[15160]} عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله " {[15161]}
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ رَبّ السّجْنُ أَحَبّ إِلَيّ مِمّا يَدْعُونَنِيَ إِلَيْهِ وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أَصْبُ إِلَيْهِنّ وَأَكُن مّنَ الْجَاهِلِينَ } .
قال أبو جعفر : وهذا الخبر من الله يدلّ على أن امرأة العزيز قد عاودت يوسف في المراودة عن نفسه ، وتوعدته بالسجن والحبس إن لم يفعل ما دعته إليه ، فاختار السجن على ما دعته إليه من ذلك ؛ لأنها لو لم تكن عاودته وتوعدته بذلك ، كان محالاً أن يقول : { رَبّ السّجْنُ أحَبّ إليّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ } ، وهو لا يدعى إلى شيء ولا يخوّف بحبس . والسجن هو : الحبس نفسه ، وهو بيت الحبس . وبكسر السين قرأه قرأة الأمصار كلها ، والعرب تضع الأماكن المشتقة من الأفعال مواضع الأفعال ، فتقول : طلعت الشمس مَطْلِعا ، وغربت مَغْرِبا ، فيجعلونها ، وهي أسماء ، خلَفا من المصادر ، فكذلك السجن ، فإذا فتحت السين من السجن كان مصدرا صحيحا . وقد ذُكر عن بعض المتقدمين أنه يقرؤه : { السَّجْنُ أحَبّ إليّ } ، بفتح السين . ولا أستجيز القراءة بذلك ، لإجماع الحجة من القرأة على خلافها .
قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : قال يوسف : يا ربّ الحبس في السجن { أحبّ إليّ مما يدعونني إليه } ، من معصيتك ، ويراودنني عليه من الفاحشة . كما :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { قالَ رَبّ السّجْنُ أحَبّ إليّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ } : من الزنا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قال يوسف ، وأضاف إلى ربه واستعانه على ما نزل به : { رَبّ السّجْنُ أحَبّ إليّ مِمّا يَدْعُونَنِي إلَيْهِ } ، أي : السجن أحبّ إليّ من أن آتيَ ما تكره .
وقوله : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ } ، يقول : وإن لم تدفع عني يا ربّ فعلهنّ الذي يفعلن بي في مراودتهنّ إياي على أنفسهن { أَصْبُ إليهنّ } ، يقول : أميل إليهنّ ، وأتابعهنّ على ما يردن مني ، ويهوَين ، من قول القائل : صبا فلان إلى كذا ، ومنه قول الشاعر :
إلى هِنْدٍ صَبا قَلْبِي *** وهِنْدٌ مثْلُها يُصْبِي
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { أصْبُ إلَيْهِنّ } ، يقول : أتابعهنّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنِي كَيْدَهُنّ } ، أي : ما أتخوّف منهنّ { أصْبُ إلَيْهِنّ } .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ أصْبُ إلَيْهِنّ وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ } ، قال : إلا يكن منك أنت العون والمنعة ، لا يكن مني ولا عندي .
وقوله : { وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ } ، يقول : وأكن بصبوتي إليهنّ من الذين جهلوا حقك وخالفوا أمرك ونهيك . كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وأكُنْ مِنَ الجاهِلِينَ } ، أي : جاهلاً إذا ركبت معصيتك .
{ قال رب السجن } وقرأ يعقوب بالفتح على المصدر . { أحب إليّ مما يدعونني إليه } أي آثر عندي من مؤاتاتها زناً نظرا إلى العاقبة وإن كان هذا مما تشتهيه النفس وذلك مما تكرهه ، وإسناد الدعوة إليهن جميعا لأنهن خوفنه من مخالفتها وزين له مطاوعتها . أو دعونه إلى أنفسهن ، وقيل إنما ابتلي بالسجن لقوله هذا وإنما كان الأولى به أن يسأل الله العافية ولذلك رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من كان يسأل الصبر . { وإلا تصرف عني } وإن لم تصرف عني . { كيدهن } في تحبيب ذلك إلي وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة . { أصبُ إليهن } أمل إلى جانبهن أو إلى أنفسهن بطبعي ومقتضى شهوتي ، والصبوة الميل إلى الهوى ومنه الصبا لأن النفوس تستطيبها وتميل إليها . وقرئ { أصب } من الصبابة وهي الشوق . { وأكن من الجاهلين } من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه فإن الحكيم لا يفعل القبيح ، أو من الذين لا يعملون بما يعلمون فإنهم والجهال سواء .
وقوله تعالى : { قال ربي السجن أحب إليّ } ، وروي أنه لما توعدته امرأة العزيز قال له النسوة : أطع مولاتك ، وافعل ما أمرتك به ؛ فلذلك قال : { مما يدعونني إليه } قال نحوه الحسن ووزن «يدعون » في هذه الآية : يفعلن ، بخلاف قولك : الرجال يدعون .
وقرأ الجمهور «السِّجن » بكسر السين ، وهو الاسم ، وقرأ الزهري وابن هرمز ويعقوب وابن أبي إسحاق «السَّجن » بفتح السين وهي قراءة عثمان رضي الله عنه وطارق مولاه ، وهو المصدر ، وهو كقولك : الجزع والجزع .
وقوله : { وإلا تصرف } إلى آخر الآية ، استسلام لله تعالى ورغبة إليه وتوكل عليه ؛ المعنى : وإن لم تنجني أنت هلكت ، هذا مقتضى قرينة كلامه وحاله ، والضمير في { إليه } عائد على الفاحشة المعنية بما في قوله { مما } . و { أصب } مأخوذة من الصبوة ، وهي أفعال الصبا ، ومن ذلك قول الشاعر - أنشده الطبري - [ الهزج ]
إلى هند صبا قلبي*** وهند مثلها يصبي{[6676]}
ومن ذلك قول دريد بن الصمة : [ الطويل ]
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه*** فلما علاه قال للباطل ابعدِ{[6677]}
و { الجاهلين } هم الذين لا يراعون حدود الله تعالى ونواهيه{[6678]} .
استئناف بياني ، لأن ما حُكي قبله مقام شدة من شأنه أن يَسأل سامعه عن حال تلقي يوسف عليه السّلام فيه لكلام امرأة العزيز .
وهذا الكلام مناجاة لربه الذي هو شاهدهم ، فالظاهر أنه قال هذا القول في نفسه . ويحتمل أنّه جهر به في ملئهن تأييساً لهن من أن يفعل ما تأمره به .
وقرأ الجمهور « السّجن » بكسر السين . وقرأه يعقوب وحده بفتح السين على معنى المصدر ، أي أن السجن أحب إليّ . وفضّل السجن مع ما فيه من الألم والشدة وضيق النفس على ما يدعونه إليه من الاستمتاع بالمرأة الحسنة النفيسة على ما فيه منا للذة ولكن كرهه لفعل الحرام فضل عنده مقاساة السجن . فلما علم أنه لا مَحيص من أحد الأمرين صار السجن محبوباً إليه باعتبار أنّه يخلصه من الوقوع في الحرام فهي محبة ناشئة عن ملاءمة الفكر ، كمحبة الشجاع الحرب .
فالإخبار بأن السجن أحبُّ إليه مِن الاستمتاع بالمرأة مستعمل في إنشاء الرضى بالسجن في مرضاة الله تعالى والتباعد عن محارمه ، إذ لا فائدة في إخبار من يعلم ما في نفسه فاسم التفضيل على حقيقته ولا داعي إلى تأويله بمسلوب المفاضلة .
وعبّر عما عرضته المرأة بالموصولية لما في الصلة من الإيماء إلى كون المطلوب حالة هي مظنة الطواعية ، لأن تمالىء الناس على طلب الشيء من شأنه أن يوطن نفس المطلوب للفعل ، فأظهر أن تمالئهن على طلبهن منه امتثالَ أمْر المرأة لم يَفُلّ من صارم عزمه على الممانعة ، وجعل ذلك تمهيداً لسؤال العصمة من الوقوع في شَرك كيدهن ، فانتقل من ذكر الرضى بوعيدها إلى سؤال العصمة من كيدها .
وأسند فعل { يدعونني } إلى نون النسوة ، فالواو الذي فيه هو حرف أصلي وليست واو الجماعة ، والنون ليست نون رفع لأنه مبني لاتصاله بنون النسوة ، ووزنه يفعُلْنَ . وأسند الفعل إلى ضمير جمع النساء مع أنّ التي دعته امرأة واحدة ، إما لأن تلك الدعوة من رغبات صنف النساء فيكون على وزان جمع الضمير في { كيدهن } ، وإما لأنّ النسوة اللاّتي جمعتهن امرأة العزيز لما سمعن كلامها تمَالأن على لوم يوسف عليه السّلام وتحريضه على إجابة الداعية ، وتحذيره من وعيدها بالسجن . وعلى وزان هذا يكون القول في جمع الضمير في { كيدهن } [ سورة يوسف : 28 ] أي كيد صنف النساء ، مثل قول العزيز { إنّ كيدكنّ عظيم } ، أي كيد هؤلاء النسوة .
وجملة { وإلاّ تصرف عني كيدهن } خبر مستعمل في التخوّف والتوقع التجاء إلى الله وملازمة للأدب نحو ربه بالتبرؤ من الحَول والقوة والخشية من تقلب القلب ومن الفتنة بالميل إلى اللذة الحرام . فالخبر مستعمل في الدعاء ، ولذلك فرع عنه جملة { فاستجاب له ربّه } .
ومعنى { أصبُ } أمِلْ . والصبو : الميل إلى المحبوب .
والجاهلون : سفهاء الأحلام ، فالجهل هنا مقابِل الحلم . والقول في أن مبالغة { أكن من الجاهلين } أكثرُ من أكن جاهلاً كالقول في { وليكوناً من الصاغرين } [ سورة يوسف : 32 ] .