في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (81)

71

بعد ذلك يحكي السياق عن حال طائفة أخرى - في الصف المسلم - أم لعلها هي طائفة المنافقين يذكر عنها فعلا جديدا ، وفصلا جديدا ! ومع الحكاية التنفير من الفعلة ؛ ومع التنفير التعليم والتوجيه والتنظيم . . كل ذلك في آيات قليلة ، وعبارات معدودة :

( ويقولون : طاعة . فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم غير الذي تقول - والله يكتب ما يبيتون - فأعرض عنهم ، وتوكل على الله ، وكفى بالله وكيلا . أفلا يتدبرون القرآن ؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرًا ) . .

إن هذا الفريق من الناس إذا كان عند رسول الله [ ص ] يسمع منه القرآن وما فيه من التكاليف . . قالوا : ( طاعة ) . . قالوها هكذا جامعة شاملة . طاعة مطلقة . لا اعتراض ولا استفهام ولا استيضاح ولا استثناء ! ولكن ما إن يخرجوا من عند رسول الله [ ص ] حتى تبيت طائفة منهم غير الذي تقول ؛ وتروح في ما بينها تتآمر على عدم التنفيذ ؛ وعلى اتخاذ خطة للتخلص من التكليف .

أم لعل النص يصور حال الجماعة المسلمة كلها ؛ ويستثني منها هذه الطائفة ذات الشأن الخاص ، والتصرف الخاص . . ويكون المعنى أن المسلمين يقولون : طاعة . بجملتهم . ولكن طائفة منهم - وهي هذه الطائفة المنافقة - إذا خرجت بيت أفرادها غير ما قالوا . . وهي صورة ترسم تلك الخلخلة بعينها في الصف المسلم . فإن هؤلاء مندسون فيه على كل حال . وتصرفهم على هذا النحو يؤذي الصف ويخلخله ؛ والجماعة المسلمة تخوض المعركة في كل ميادينها وبكل قوتها !

والله - سبحانه - يطمئن النبي [ ص ] والمخلصين في الصف . يطمئنهم بأن عينه على هذه الطائفة التي تبيت وتمكر . وشعور المسلمين بأن عين الله على المبيتين الماكرين يثبت قلوبهم ، ويسكب فيها الطمأنينة إلى أن هذه الطائفة لن تضرهم شيئا بتآمرها وتبيتها . ثم هي تهديد ووعيد للمتآمرين المبيتين ؛ فلن يذهبوا مفلحين ، ولن يذهبوا ناجين :

( والله يكتب ما يبيتون ) . .

وكان الخطة التي وجه الله إليها نبيه [ ص ] في معاملة المنافقين ، هي أخذهم بظاهرهم - لا بحقيقة نواياهم - والإعراض والتغاضي عما يبدر منهم . . وهي خطة فتلتهم في النهاية ، وأضعفتهم ، وجعلت بقاياهم تتوارى ضعفا وخجلا . . وهنا طرف من هذه الخطة :

( فأعرض عنهم ) .

ومع هذا التوجيه بالإغضاء عنهم ، التطمين بكلاءة الله وحفظة مما يبيتون :

( وتوكل على الله . . وكفى بالله وكيلاً ) . .

نعم . . وكفى بالله وكيلا . لا يضار من كان وكيله ؛ ولا يناله تآمر ولا تبيت ولا مكيدة . .

وكأنما كان الذي يدفع هذه الطائفة إلى أن تقول في حضرة الرسول [ ص ] مع القائلين : ( طاعة ) فإذا خرجت بيتت غير الذي تقول . . كأنما كان هذا بسبب شكهم في مصدر ما يأمرهم به الرسول -[ ص ] - وظنهم أن هذا القرآن من عنده ! وحين يوجد مثل هذا الشك لحظة يتوارى سلطان الأمر والتكليف جملة . فهذا السلطان مستمد كله من الاعتقاد الجازم الكامل ، بأن هذا كلام الله ، وبأنه [ ص ] لا ينطق عن الهوى . . ومن ثم كان هذا التوكيد الشديد الجازم المكرر على هذه الحقيقة . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٞ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنۡ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ غَيۡرَ ٱلَّذِي تَقُولُۖ وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (81)

وقوله : { وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ } يخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يظهرون الموافقة والطاعة { فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ } أي : خرجوا وتواروا عنك { بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ } أي : استسروا ليلا فيما بينهم بغير ما أظهروه . فقال تعالى : { وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ } أي : يعلمه ويكتبه عليهم بما يأمر به حفظته الكاتبين ، الذين هم موكلون بالعباد . يعلمون ما يفعلون . والمعنى في هذا التهديد ، أنه تعالى أخبر بأنه عالم بما يضمرونه ويسرونه فيما بينهم ، وما يتفقون عليه ليلا من مخالفة الرسول وعصيانه ، وإن كانوا قد أظهروا له الطاعة والموافقة ، وسيجزيهم على ذلك . كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا [ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ]{[7926]} } [ النور : 47 ] .

وقوله : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي : اصفح عنهم واحلم عليهم{[7927]} ولا تؤاخذهم ، ولا تكشف أمورهم للناس ، ولا تَخَفْ منهم أيضا { وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا } أي : كفى به{[7928]} وليًّا وناصرًا ومعينا لمن توكل عليه وأناب إليه .


[7926]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7927]:في ر: "عنهم".
[7928]:في أ: "بالله".