في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

وفضل الله في الآخرة بلا حساب وبلا حدود ولا قيود . فأما رزقه لعباده في الأرض فهو مقيد محدود ؛ لما يعلمه - سبحانه - من أن هؤلاء البشر لا يطيقون - في الأرض - أن يتفتح عليهم فيض الله غير المحدود :

( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ، ولكن ينزل بقدر ما يشاء . إنه بعباده خبير بصير ) . .

وهذا يصور نزارة ما في هذه الحياة الدنيا من أرزاق - مهما كثرت - بالقياس إلى ما في الآخرة من فيض غزير . فالله يعلم أن عباده ، هؤلاء البشر ، لا يطيقون الغنى إلا بقدر ، وأنه لو بسط لهم في الرزق - من نوع ما يبسط في الآخرة - لبغوا وطغوا . إنهم صغار لا يملكون التوازن . ضعاف لا يحتملون إلا إلى حد . والله بعباده خبير بصير . ومن ثم جعل رزقهم في هذه الأرض مقدراً محدوداً ، بقدر ما يطيقون . واستبقى فيضه المبسوط لمن ينجحون في بلاء الأرض ، ويجتازون امتحانها ، ويصلون إلى الدار الباقية بسلام . ليتلقوا فيض الله المذخور لهم بلا حدود ولا قيود .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

{ لبغوا في الأرض } أي لطغوا وعتوا جميعا فيها لغناهم ؛ من البغي وهو الظلم وتجاوز الحد . والغنى : مبطرة مأشرة . أو لتكبروا في الأرض ، وفعلوا ما يستتبعه الكبر من العلو فيها والفساد ؛ من البغي بمعنى الكبر . { ولكن ينزل بقدر } بتقدير{ ما يشاء } وهو ما تقتضيه حكمته جل شأنه ! .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

قوله تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده } قال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ، فتمنيناها . فأنزل الله عز وجل هذه الآية { ولو بسط الله الرزق } وسع الله الرزق لعباده { لبغوا } لطغوا أو عتوا ، { في الأرض } قال ابن عباس : بغيهم طلبهم منزلةً بعد منزلة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس . { ولكن ينزل } أرزاقهم ، { بقدر ما يشاء } كما يشاء نظراً منه لعباده ، ولحكمته اقتضتها قدرته { إنه بعباده خبير بصير } . أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنبأنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله حفيد العباس بن حمزة ، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي ، حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد الدمشقي ، حدثنا صدقة عن عبد الله ، حدثنا هشام الكناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل قال : " يقول الله عز وجل : من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ، وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد ، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه ، وما يزال عبدي المؤمن يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً ومؤيداً ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت ، وأنا أكره مساءته ولا بد له منه ، وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك ، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزۡقَ لِعِبَادِهِۦ لَبَغَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٖ مَّا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرُۢ بَصِيرٞ} (27)

ولما كان المتبادر من الاستجابة إيجاد كل ما سألوه في هذه الدنيا على ما أرادوه وكان الموجود غير ذلك بل كان أكثر أهل الله مضيقاً عليهم ، وكانت الإجابة إلى كل ما يسأل بأن يكون في هذه الدار يؤدي في الغالب إلى البطر المؤدي إلى الشقاء فيؤدي ذلك إلى عكس المراد ، قال على سبيل الاعتذار لعباده وهو الملك الأعظم مبيناً أن استجابته تارة تكون كما ورد به الحديث لما سألوه ، وتارة تكون بدفع مثله من البلاء وتارة تكون بتأخيره إلى الدار الآخرة { ولو } أي هو يقبل ويستجيب والحال أنه لو { بسط } ولما كان هذا المقام عظيماً لاحتياجه إلى الإحاطة بالخلائق والإحاطة بأخلاقهم وأوصافهم وما يصلحهم ويفسدهم والقدرة على كل بذل ومنع ، عبر بالاسم الأعظم فقال : { الله } أي الملك الأعظم الجامع لجميع صفات الكمال تنبيهاً على عظمة هذا المقام : { الرزق } لهم - هكذا كان الأصل ، لكنه كره أن يظن خصوصيته ذلك بالتائبين فقيل : { لعباده } أي كلهم التائب منهم وغيره بأن أعطاهم فوق حاجتهم { لبغوا في الأرض } أي لصاروا يريدون كل ما يشتهونه ، فإن لم يفعل سعوا في إنفاذه كالملوك بما لهم من المكنة بكل طريق يوصلهم إليه فيكثر القتل والسلب والنهب والضرب ونحو ذلك من أنواع الفساد ، وقد تقدم في النحل من الكلام على البغي ما يتقن به علم هذا المكان .

ولما كان معنى الكلام أنه سبحانه لا يبسط لهم ذلك بحسب ما يريدونه ، بنى عليه قوله سبحانه : { ولكن ينزِّل } أي لعباده من الرزق { بقدر } أي بتقدير لهم جملة ولكل واحد منهم لا يزيد عن تقدير ذره ولا ينقصها { ما يشاء } من الماء الذي هو أصل الرزق والبركات التي يدبر بها عباده كما اقتضته حكمته التي بنى عليها أحوال هذه الدار .

ولما كان أكثر الناس يقول في نفسه : لو بسط ليّ الرزق لعملت الخير ، وتجنبت الشر ، وأصلحت غاية الإصلاح ، قال معللاً ما أخبر به في أسلوب التأكيد : { إنه } وكان الأصل : بهم ، ولكنه قال : { بعباده } لئلا يظن أن الأمر خاص بمن وسع عليهم أو ضيق عليهم : { خبير بصير * } يعلم جميع ظواهر أمورهم وحركاتهم وانتقالاتهم وكلامهم وبواطنها فيقيم كل واحد فيما يصلح له من فساد وصلاح وبغي وعدل ، ويهيئ لكل شيء من ذلك أسبابه .