{ ذق إنك أنت العزيز الكريم } : أي ذق العذاب إنك كنت تقول ما بين جبلي مكة أعز وأكرم مني .
ويقال له : تهكما به { ذق إنك أنت العزيز الكريم } أي كما كنت تقول في الدنيا إذ كان أبو جهل يقول : ما بين جبلي مكة أعز وأكرم مني ، وكان يجمع أولاده ويضع بين أيديهم الزبدة وتمر العجوة ويقول لهم : تزقموا ، هذا هو الزقوم الذي يهددنا به محمد . اللهم صل وسلم على نبينا محمد .
ثم يقال له : { ذق } هذا العذاب ، { إنك } قرأ الكسائي : ( أنك ) بفتح الألف ، أي لأنك كنت تقول : أنا العزيز الكريم ، وقرأ الآخرون : بكسرها على الابتداء ، { أنت العزيز الكريم } عند قومك بزعمك ، وذلك أن أبا جهل كان يقول : أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم ، فتقول له هذا اللفظ خزنة النار ، على طريق الاستحقار والتوبيخ .
قوله تعالى : " ذق إنك أنت العزيز الكريم " قال ابن الأنباري : أجمعت العوام على كسر " إن " وروي عن الحسن عن علي رحمه الله " ذق أنك " بفتح " أن " ، وبها قرأ الكسائي . فمن كسر " إن " وقف على ذق " . ومن فتحها لم يقف على " ذق " ؛ لأن المعنى ذق لأنك وبأنك أنت العزيز الكريم . قال قتادة : نزلت في أبي جهل وكان قد قال : ما فيها أعز مني ولا أكرم ؛ فلذلك قيل له : " ذق إنك أنت العزيز الكريم " . وقال عكرمة : التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو جهل فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى ) فقال : بأي شيء تهددني ! والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا ، إني لمن أعز هذا الوادي وأكرمه على قومه ، فقتله الله يوم بدر وأذله ونزلت هذه الآية . أي يقول له الملك : ذق إن أنت العزيز الكريم بزعمك . وقيل : هو على معنى الاستخفاف والتوبيخ والاستهزاء والإهانة والتنقيص ، أي قال له : إنك أنت الذليل المهان . وهو كما قال قوم شعيب لشعيب : " إنك لأنت الحليم الرشيد " {[13756]} [ هود : 87 ] يعنون السفيه الجاهل في أحد التأويلات على ما تقدم{[13757]} . وهذا قول سعيد بن جبير .
و[ لما-{[57682]} ] علم بهذا أنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً ، بل وصل إلى غاية الهوان ، دل عليه بالتهكم{[57683]} بما كان {[57684]}يظن في{[57685]} نفسه من العظمة التي كانت يترفع{[57686]} بها في الدنيا على أوامر الله ، فقيل بناء على ما تقديره : يفعل به ذلك مقولاً له : { ذق } أي من هذا أوصلك إليه تغررك على أولياء الله . ولما كان أولياء الله من الرسل وأتباعهم يخبرون في الدنيا أنه - لإبائه{[57687]} أمر الله - هو الذليل ، وكان [ هذا-{[57688]} ] الأثيم وأتباعه يكذبون بذلك ويؤكدون قولهم المقتضي لعظمته لإحراق أكباد الأولياء حكى له{[57689]} قولهم على ما كانوا يلفظون به زيادة في تعذيبه بالتوبيخ والتقريع{[57690]} معللاً للأمر بالذوق : { إنك } وأكد بقوله : { أنت } وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك { العزيز } أي-{[57691]} الذي يغلب ولا يغلب { الكريم * } أي الجامع إلى الجود شرف النفس وعظم الإباء ، فلا تنفعك عن ستر مساوئ الأخلاق بإظهار معاليها{[57692]} فلست بلئيم أي بخيل مهين النفس خسيس الإباء ، فهو كناية عن مخاطبته بالخسة{[57693]} مع إقامة الدليل على ذلك بما هو فيه من المهالك ، وقراءة الكسائي{[57694]} بفتح " إن " دالة على هذا العذاب قولاً وفعلاً على ما كان يقال له من هذا [ في الدنيا-{[57695]} ] ويعتقد [ هو-{[57696]} ] أنه حق .