فأما المؤمنون فقد تلقوا كلمات الله بالتسليم اللائق بمن وثق بربه ، وتأدب معه أدب العبد مع الرب فلم يعد يماري في خبره وقوله . وأما المشركون فتلقفوا هذا العدد بقلوب خاوية من الإيمان ، عارية من التوقير لله ، خالية من الجد في تلقي هذا الأمر العظيم . وراحوا يتهكمون عليه ويسخرون منه ، ويتخذونه موضعا للتندر والمزاح . . . قال قائل منهم : أليس يتكفل كل عشرة منكم بواحد من هؤلاء التسعة عشر ! ? وقال قائل : لا بل اكفوني أنتم أمر اثنين منهم وعلي الباقي أنا أكفيكموهم ! وبمثل هذه الروح المطموسة المغلقة الفاضية تلقوا هذا القول العظيم الكريم .
عندئذ نزلت الآيات التالية تكشف عن حكمة الله في الكشف عن هذا الجانب من الغيب ، وذكر هذا العدد ، وترد علم الغيب إلى الله ، وتقرر ما وراء ذكر سقر وحراسها من غاية ينتهي الموقف إليها :
( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة . وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ، ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا ، ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ، وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون : ماذا أراد الله بهذا مثلا ? كذلك يضل الله من يشاء ، ويهدي من يشاء ، وما يعلم جنود ربك إلا هو ، وما هي إلا ذكرى للبشر ) . . .
تبدأ الآية بتقرير حقيقة أولئك التسعة عشر الذين تمارى فيهم المشركون :
( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ) . .
فهم من ذلك الخلق المغيب الذي لا يعلم طبيعته وقوته إلا الله ؛ وقد قال لنا عنهم : إنهم ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )فقرر أنهم يطيعون ما يأمرهم به الله ، وأن بهم القدرة على فعل ما يأمرهم . فهم إذن مزودون بالقوة التي يقدرون بها على كل ما يكلفهم الله إياه . فإذا كان قد كلفهم القيام على سقر ، فهم مزودون من قبله سبحانه بالقوة المطلوبة لهذه المهمة ، كما يعلمها الله ، فلا مجال لقهرهم أو مغالبتهم من هؤلاء البشر المضعوفين ! وما كان قولهم عن مغالبتهم إلا وليد الجهل الغليظ بحقيقة خلق الله وتدبيره للأمور .
( وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) . .
فهم الذين يثير ذكر العدد في قلوبهم رغبة الجدل ؛ ولا يعرفون مواضع التسليم ومواضع الجدل . فهذا الأمر الغيبي كله من شأن الله ، وليس لدى البشر عنه من علم كثير ولا قليل ، فإذا أخبر الله عنه خبرا فهو المصدر الوحيد لهذا الطرف من الحقيقة ، وشأن البشر هو تلقي هذا الخبر بالتسليم ، والاطمئنان إلى أن الخير في ذكر هذا الطرف وحده ، بالقدر الذي ذكره ، وأن لا مجال للجدل فيه ، فالإنسان إنما يجادل فيما لديه عنه علم سابق يناقض الخبر الجديد أو يغايره . أما لماذا كانوا تسعة عشر [ أيا كان مدلول هذا العدد ] فهو أمر يعلمه الله الذي ينسق الوجود كله ، ويخلق كل شيء بقدر . وهذا العدد كغيره من الأعداد . والذي يبغي الجدل يمكنه أن يجادل وأن يعترض على أي عدد آخر وعلى أي أمر آخر بنفس الاعتراض . . لماذا كانت السماوات سبعا ? لماذا كان خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار ? لماذا كان حمل الجنين تسعة أشهر ? لماذا تعيش السلاحف آلاف السنين ? لماذا ? لماذا ? لماذا ? والجواب : لأن صاحب الخلق والأمر يريد ويفعل ما يريد ! هذا هو فصل الخطاب في مثل هذه الأمور . .
( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ، ويزداد الذين آمنوا إيمانا ، ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) . .
فهؤلاء وهؤلاء سيجدون في عدد حراس سقر ما يدعو بعضهم إلى اليقين ويدعو البعض إلى ازدياد الإيمان . فأما الذين أوتوا الكتاب فلا بد أن لديهم شيئا عن هذه الحقيقة ، فإذا سمعوها من القرآن استيقنوا أنه مصدق لما بين يديهم عنها . وأما الذين آمنوا فكل قول من ربهم يزيدهم إيمانا . لأن قلوبهم مفتوحة موصولة تتلقى الحقائق تلقيا مباشرا ؛ وكل حقيقة ترد إليها من عند الله تزيدها أنسا بالله . . وستشعر قلوبهم بحكمة الله في هذا العدد ، وتقديره الدقيق في الخلق ، فتزيد قلوبهم إيمانا . وتثبت هذه الحقيقة في قلوب هؤلاء وهؤلاء فلا يرتابون بعدها فيما يأتيهم من عند الله .
( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون : ماذا أراد الله بهذا مثلا ? ) . .
وهكذا تترك الحقيقة الواحدة أثرين مختلفين في القلوب المختلفة . . فبينما الذين أوتوا الكتاب يستيقنون ، والذين آمنوا يزيدون إيمانا ، إذا بالذين كفروا وضعاف القلوب المنافقون في حيرة يتساءلون : ( ماذا أراد الله بهذا مثلا ? ) . . فهم لا يدركون حكمة هذا الأمر الغريب . ولا يسلمون بحكمة الله المطلقة في تقدير كل خلق . ولا يطمئنون إلى صدق الخبر والخير الكامن في إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة . .
( كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ) . .
كذلك . بذكر الحقائق وعرض الآيات . فتتلقاها القلوب المختلفة تلقيا مختلفا . ويهتدي بها فريق وفق مشيئة الله ؛ ويضل بها فريق حسب مشيئة الله . فكل أمر مرجعه في النهاية إلى إرادة الله المطلقة التي ينتهي إليها كل شيء . وهؤلاء البشر خرجوا من يد القدرة باستعداد مزدوج للهدى وللضلال ؛ فمن اهتدى ومن ضل كلاهما يتصرف داخل حدود المشيئة التي خلقتهم بهذا الاستعداد المزدوج ، ويسرت لهم التصرف في هذا أو ذاك ، في حدود المشيئة الطليقة ، ووفق حكمة الله المكنونة .
وتصور طلاقة المشيئة وانتهاء كل ما يقع في هذا الوجود إليها تصورا كاملا واسع المدلول ، يعفي العقول من الجدل الضيق حول ما يسمونه الجبر والإرادة . وهو الجدل الذي لا ينتهي إلى تصور صحيح ، بسبب أنه يتناول المسألة من زاوية ضيقة ، ويضعها في أشكال محددة نابعة من منطق الإنسان وتجاربه وتصوراته المحدودة ! بينما هو يعالج قضية من قضايا الألوهية غير المحدودة !
لقد كشف الله لنا عن طريق الهدى وطريق الضلال . وحدد لنا نهجا نسلكه فنهتدي ونسعد ونفوز . وبين لنا نهوجا ننحرف إليها فنضل ونشقى ونخسر . ولم يكلفنا أن نعلم وراء ذلك شيئا ، ولم يهبنا القدرة على علم شيء وراء هذا . وقال لنا : إن إرادتي مطلقة وإن مشيئتي نافذة . . فعلينا أن نعالج - بقدر طاقتنا - تصور حقيقة الإرادة المطلقة والمشيئة النافذة . وأن نلتزم النهج الهادئ ونتجنب النهوج المضللة . ولا ننشغل في جدل عقيم حول ما لم نوهب القدرة على إدراك كنهه من الغيب المكنون . ومن ثم ننظر فنرى كل ما أنفقه المتكلمون في مسألة القدر على النحو الذي تكلموا به جهدا ضائعا لا طائل وراءه لأنه في غير ميدانه . .
إننا لا نعلم مشيئة الله المغيبة بنا ، ولكننا نعلم ماذا يطلب الله منا لنستحق فضله الذي كتبه على نفسه . وعلينا إذن أن ننفق طاقتنا في أداء ما كلفنا ، وأن ندع له هو غيب مشيئته فينا . والذي سيكون هو مشيئته ، وعندما يكون سنعرف أن هذه مشيئته لا قبل كونه ! والذي سيكون وراءه حكمة يعرفها العليم بالكل المطلق . . وهو الله وحده . . وهذا هو طريق المؤمن في التصور ومنهجه في التفكر . .
( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) . .
فهي غيب . حقيقتها . ووظيفتها . وقدرتها . . وهو يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها ، وقوله هو الفصلفي شأنها . وليس لقائل بعده أن يجادل أو يماحك أو يحاول معرفة ما لم يكشف الله عنه ، فليس إلى معرفة هذا من سبيل . .
( وهي )إما أن تكون هي جنود ربك ، وإما أن تكون هي سقر ومن عليها . وهي من جنود ربك . وذكرها جاء لينبه ويحذر ؛ لا لتكون موضوعا للجدل والمماحكة ! والقلوب المؤمنة هي التي تتعظ بالذكرى ، فأما القلوب الضالة فتتخذها مماحكة وجدلا !
{ وما جعلنا عدتهم } أي ما أخبرنا بعدتهم هذه إلا{ فتنة } ابتلاء{ للذين كفروا } لاستبعادهم تولى تسعة عشر ملكا تعذيب أكثر الثقلين ، واستهزائهم بذلك وأصله إنكارهم البعث . { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } أي ليكتسب أهل الكتابين اليقين بنبوته صلى الله عليه وسلم القرآن لموافقته لهما في عدتهم . { وما يعلم جنود ربك إلا هو } أي وما يعلم خلائقه الذين منهم هؤلاء الملائكة من حيث العدد والقوة والتسخير إلا هو عز وجل . { ماذا أراد الله بهذا مثلا } أي بهذا العدد المستغرب استغراب المثل . يريدون بذلك نفي أن يكون من عند الله
تعالى . { وما هي إلا ذكرى للبشر } أي وما سفر وصفتها إلا تذكرة وموعظة للناس . أو وما هذه العدة إلا تذكرة وعظة ؛ من جهة أن في خلقه ما هو في غاية العظم والقوة حتى يكفى القليل منهم لإهلاك الكثير الذي لا يحصى .
وما جعلْنا خزنةَ النار إلا ملائكةً تقدَّم وصفُهم بالشِدة والغِلظة ، وما جعلنا عِدَّتَهم تسعةَ عشر إلا فتنةً واختبارا للذين كفروا ، وذلك { لِيَسْتَيْقِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب } .
ليحصل اليقينُ لليهود والنصارى بنبوة محمدٍ لموافقةِ ما جاءَ في القرآن لكتُبهم ، فقد شهِدَ عددٌ من علماءِ اليهود والنصارى آنذاك أن عدَّةَ الخزنة تسعةَ عشر .
{ وَيَزْدَادَ الذين آمنوا إِيمَاناً } .
ولكيَ تطمئن قلوبُهم بذلك ، ولا يشكّ أهلُ التوراة والإنجيل والمؤمنون بالله في حقيقةِ ذلك العدد .
{ وَلِيَقُولَ الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والكافرون مَاذَآ أَرَادَ الله بهذا مَثَلاً } .
وليقول المنافقون والمشركون الكافرون : ما الذي أراده اللهُ بهذا العدَدِ المستغرَبِ استغرابَ المثل ؟
{ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } .
والله تعالى كما أضلَّ المنافقين والمشركين يُضِلُّ مِنْ خلْقه من يشاءُ فيخذُله عن إصابة الحق ، ويهدي من يشاء منهم فيوفّقه إلى الخيرِ والهدى . وما يعلم جنودَ ربّك ومقدارهم إلا هو سبحانَه وتعالى . { وَمَا هِيَ إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ } وما سَقَرُ إلا تذكرة للبشَر وتخويفٌ لهم .
{ وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } لا رجالا فمن ذا يغلب الملائكة { وما جعلنا عدتهم } عددهم في القلة { إلا فتنة للذين كفروا } لأنهم قالوا ما أعوان محمد إلا تسعة عشر { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب } ليعلموا أن ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم موافق لما في كتبهم { ويزداد الذين آمنوا } لأنهم يصدقون بما أتى به الرسول عليه السلام وبعدد خزنة النار { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون } أي لا يشكون في أن عددهم على ما أخبر به محمد عليه السلام
32 45 { وليقول الذين في قلوبهم مرض } شك { والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا } أي شيء أراد الله بهذا العدد وتخصيصه { كذلك } كما أضلهم الله بتكذيبهم { يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو } هذا جواب لقولهم ما أعوانه إلا تسعة عشر { وما هي } أي النار { إلا ذكرى للبشر } أي إنها تذكرهم في الدنيا النار في الآخرة
" وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة " أي لم نجعلهم رجالا فتتعاطون مغالبتهم . وقيل : جعلهم ملائكة لأنهم خلاف جنس المعذبين من الجن والإنس ، فلا يأخذهم ما يأخذ المجانس من الرأفة والرقة ، ولا يستروحون إليهم ، ولأنهم أقوم خلق الله بحق الله وبالغضب له ، فتؤمن هوادتهم ؛ ولأنهم أشد خلق الله بأسا وأقواهم بطشا . " وما جعلنا عدتهم إلا فتنة " أي بلية . وروي عن ابن عباس من غير وجه قال : ضلالة للذين كفروا ، يريد أبا جهل وذويه . وقيل : إلا عذابا ، كما قال تعالى : " يوم هم على النار يفتنون . ذوقوا فتنتكم " [ الذاريات : 14 ] . أي جعلنا ذلك سبب كفرهم وسبب العذاب . وفي " تسعة عشر " سبع قراءات{[15589]} : قراءة العامة " تسعة عشر " . وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وطلحة بن سليمان " تسعة عشر " بإسكان العين . وعن ابن عباس " تسعة عشر " بضم الهاء . وعن أنس بن مالك " تسعة وعشر " وعنه أيضا " تسعة وعشر " . وعنه أيضا " تسعة أعشر " ذكرها المهدوي وقال : من قرأ " تسعة عشر " أسكن العين لتوالي الحركات . ومن قرأ " تسعة وعشر " جاء به على الأصل قبل التركيب ، وعطف عشرا على تسعة ، وحذف التنوين لكثرة الاستعمال ، وأسكن الراء من عشر على نية السكوت عليها . ومن قرأ " تسعة عشر " فكأنه من التداخل ؛ كأنه أراد العطف وترك التركيب ، فرفع هاء التأنيث ، ثم راجع البناء وأسكن . وأما " تسعة أعشر " : فغير معروف ، وقد أنكرها أبو حاتم . وكذلك " تسعة وعشر " لأنها محمولة على " تسعة أعشر " والواو بدل من الهمزة ، وليس لذلك وجه عند النحويين . الزمخشري : وقرئ : " تسعة أعشر " جمع عشير ، مثل يمين وأيمن .
قوله تعالى : " ليستيقن الذين أوتوا الكتاب " أي ليوقن الذين أعطوا التوراة والإنجيل أن عدة خزنة جهنم موافقة لما عندهم ، قاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد وغيرهم . ثم يحتمل أنه يريد الذين آمنوا منهم كعبد الله بن سلام . ويحتمل أنه يريد الكل . ويزداد الذين آمنوا إيمانا " بذلك ؛ لأنهم كلما صدقوا بما في كتاب الله آمنوا ، ثم ازدادوا إيمانا لتصديقهم بعدد خزنة جهنم . " ولا يرتاب " أي ولا يشك " الذين أوتوا الكتاب " أي أعطوا الكتاب " والمؤمنون " أي المصدقون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في أن عدة خزنة جهنم تسعة عشر . " وليقول الذين في قلوبهم مرض " أي في صدورهم شك ونفاق من منافقي أهل المدينة ، الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة ولم يكن بمكة نفاق وإنما نجم بالمدينة . وقيل : المعنى ، أي وليقول المنافقون الذين ينجمون في مستقبل الزمان بعد الهجرة . " والكافرون " أي اليهود والنصارى " ماذا أراد الله بهذا مثلا " يعني بعدد خزنة جهنم . وقال الحسين بن الفضل : السورة مكية ولم يكن بمكة نفاق ، فالمرض في هذه الآية الخلاف و " الكافرون " أي مشركو العرب . وعلى القول الأول أكثر المفسرين . ويجوز أن يراد بالمرض : الشك والارتياب ؛ لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين ، وبعضهم قاطعين بالكذب وقوله تعالى إخبارا عنهم : " ماذا أراد الله " أي ما أراد " بهذا " العدد الذي ذكره حديثا ، أي ما هذا من الحديث . قال الليث : المثل الحديث ، ومنه : " مثل الجنة التي وعد المتقون " أي حديثها والخبر عنها " كذلك " أي كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم " يضل الله " أي يخزي ويعمي " من يشاء ويهدي " أي ويرشد " من يشاء " كإرشاد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : " كذلك يضل الله " عن الجنة " من يشاء ويهدي " إليها " من يشاء " . " وما يعلم جنود ربك إلا هو " أي وما يدري عدد ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار " إلا هو " أي إلا الله جل ثناؤه وهذا جواب لأبي جهل حين قال : أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر ! وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم غنائم حنين ، فأتاه جبريل فجلس عنده ، فأتى ملك فقال : إن ربك يأمرك بكذا وكذا ، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون شيطانا ، فقال : ( يا جبريل أتعرفه ) ؟ فقال : هو ملك وما كل ملائكة ربك أعرف . وقال الأوزاعي : قال موسى : " يا رب من في السماء ؟ قال ملائكتي . قال كم عدتهم يا رب ؟ قال : اثني عشر{[15590]} سبطا . قال : كم عدة كل سبط ؟ قال : عدد التراب " ذكرهما الثعلبي . وفي الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أطت{[15591]} السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدا ) .
قوله تعالى : " وما هي إلا ذكرى للبشر " يعني الدلائل والحجج والقرآن . وقيل : " وما هي " أي وما هذه النار التي هي سقر " إلا ذكرى " أي عظة " للبشر " أي للخلق . وقيل : نار الدنيا تذكرة لنار الآخرة . قال الزجاج . وقيل : أي ما هذه العدة " إلا ذكري للبشر " أي ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله تعالى ، وأنه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار ، فالكناية على هذا في قوله تعالى : " وما هي " ترجع إلى الجنود ؛ لأنه أقرب مذكور .