( ولم يكن له كفوا أحد ) . . أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه( أحد ) ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض . وأشهر العقائد الثنائية كانت عقيدة الفرس في إله النور وإله الظلام ، وكانت معروفة في جنوبي الجزيرة العربية حيث للفرس دولة وسلطان ! !
هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة " الكافرون " نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ ولم يكن له كفوا أحد } يقول : لم يكن له عدل ، ولا مثل ... تبارك وتعالى علوا كبيرا ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ } اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : ولم يكن له شبيه ولا مِثْل ...
وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يكن له صاحبة ...
والكُفُؤْ والكفئ والكِفاء في كلام العرب واحد ، وهو المِثْل والشّبْه...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ويقال : السورة بعضها تفسيرٌ لبعض ؛ مَنْ هو الله ؟ هو الله ، مَن الله ؟ الأحد ، مَن الأحد ؟ الصمد ، مَن الصمد ؟ الذي لم يلد ولم يولد ، مَن الذي لم يلد ولم يولَد ؟ الذي لم يكن له كفواً أحد .
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
ولم يكافئه أحد ، أي : لم يماثله ولم يشاكله ...
سألوه أن يصفه لهم ، فأوحى إليه ما يحتوى على صفاته ، فقوله : { هُوَ الله } إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء وفاطرها ، وفي طيّ ذلك وصفه بأنه قادر عالم ؛ لأنّ الخلق يستدعي القدرة والعلم ... { أَحَدٌ } وصف بالوحدانية ونفي الشركاء . ....{ الصمد } وصف بأنه ليس إلاّ محتاجاً إليه ، وإذا لم يكن إلاّ محتاجاً إليه فهو غني، وفي كونه غنياً مع كونه عالماً : أنه عدل غير فاعل للقبائح ، لعلمه بقبح القبيح ، وعلمه بغناه عنه .
وقوله : { لَمْ يُولَدْ } وصف بالقدم والأوّلية .
وقوله : { لَمْ يَلِدْ } نفي للشبه والمجانسة .
وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } تقرير لذلك ، وبت للحكم به .
واعلم أن هذه السورة أربع آيات ، وفي ترتيبها أنواع من الفوائد ؛
الفائدة الأولى : أن أول السورة يدل على أنه سبحانه واحد ، والصمد على أنه كريم رحيم لأنه لا يصمد إليه حتى يكون محسنا و{ لم يلد ولم يولد } على أنه غني على الإطلاق ومنزه عن التغيرات فلا يبخل بشيء أصلا ، ولا يكون جوده لأجل جر نفع أو دفع ضر ، بل بمحض الإحسان، وقوله : { ولم يكن له كفوا أحد } إشارة إلى نفي ما لا يجوز عليه من الصفات . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ولم يكن } ، أي لم يتحقق ولم يوجد بوجه من الوجوه ، ولا بتقدير من التقادير { له } أي خاصة { كفواً } ، أي مثلاً ومساوياً ، { أحد } على الإطلاق ، أي لا يساويه في قوة الوجود ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
أي لم يوجد له مماثل أو مكافئ . لا في حقيقة الوجود ، ولا في حقيقة الفاعلية ، ولا في أية صفة من الصفات الذاتية . وهذا كذلك يتحقق بأنه( أحد ) ولكن هذا توكيد وتفصيل . . وهو نفي للعقيدة الثنائية التي تزعم أن الله هو إله الخير وأن للشر إلها يعاكس الله - بزعمهم - ويعكس عليه أعماله الخيرة وينشر الفساد في الأرض ....
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
{ ولم يكن له كفوا أحد } ، أي : ليس له من خلقه نظير يساميه أو يدانيه ، ولذلك تنزه جل جلاله عن اتخاذ الزوجة ، كما تنزه عن الولد ...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة ، وفيه ثلاث مسائل : الأولى : ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا سمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكان الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " . وعنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد الصمد ثلث القرآن " ، خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
وقد وضح أن هذه السورة أعظم مبين للذات الأقدس بترتيب لا يتصور في العقل أن يكون شيء يساويه ، وكلمات لا تقع في الوهم أن يكون شيء يساويها أو يساوي شيئاً منها ، فأثبت أولاً حقيقته المحضة وهويته بأنه هو ، لا اسم لتلك الحقيقة من حيث هي إلا ذلك ، فعلم أنه واجب الوجود لذاته لا لشيء آخر أصلاً ، ثم عقب ذلك بياناً له بذكر الإلهية التي هي أقرب اللوازم لتلك الحقيقة وأشدها تعريفاً . ولما اقتضت الإلهية الوحدة ؛ لأنها عبارة عن الاستغناء المطلق ، واحتياج الغير إليه الاحتياج المطلق ، دل عليها بالأحد ، ودل على تحقيق معنى الإلهية والوحدة معاً بالصمدية لما لها من المعنيين : وجوب الوجود بعدم الجوف وجوداً أو تقديراً ، والسيادة المفيضة لكل وجود على كل موجود وجوداً لا يشبه وجوده سبحانه... وبين المعنيين كليهما بعدم صحة التوليد منه وله وعدم المساوي ، فمن أول السورة إلى آخر الأسماء في بيان حقيقته سبحانه وتعالى ولوازمها الأقرب فالأقرب ، ووحدتها بكل اعتبار ، ومن ثم إلى آخرها في بيان أن لا مساوي له ؛ لأنه لا جنس له ولا نوع حتى يكون هو متولداً عن شيء ، أو يكون متولداً عنه شيء ، أو يكون شيء موازياً له في الوجود ....
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذه السورة إثبات وتقرير لعقيدة التوحيد الإسلامية ، كما أن سورة " الكافرون " نفي لأي تشابه أو التقاء بين عقيدة التوحيد وعقيدة الشرك . . وكل منهما تعالج حقيقة التوحيد من وجه . وقد كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يستفتح يومه - في صلاة سنة الفجر - بالقراءة بهاتين السورتين . . وكان لهذا الافتتاح معناه ومغزاه . .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
... ومهما يكن من أمر الرواية فالسورة قد استهدفت تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ، ونفي كل ما يتناقض معها من العقائد الموجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وما تنطوي عليه هذه العقائد من المشابهة والمماثلة والتعدد والشركة والوالدية والولدية بأسلوب حاسم وجيز .
ففي إعلان الوحدة الإلهية رد على من يجعل الله أكثر من واحد ، سواء أكان هذا التعدد مؤولا مرده إلى الوحدة كما هو في العقيدة النصرانية ، أم غير مؤول كما هو في عقيدة المشركين .
وفي إعلان أن الله هو المتجه المفرد والغني المطلق رد على ما كان من اتجاه بعض الفئات إلى غيره ، أو إليه وإلى غيره معا إشراكا واستشفاعا ، ورد على ما كان من اعتقاد بعض الفئات من حاجة الله إلى المساعدين في تدبير ملكوت السماوات والأرض ، ومن أثر هؤلاء المساعدين في الكون إيجابا وسلبا ، ونفعا وضرا .
وفي إعلان نفي الولد عن الله رد على من كان يعتقد أن لله ولدا ، سواء أكان ذلك من مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله ، أم النصارى الذين كانوا يعتقدون أن المسيح ابن الله ، أم اليهود الذين كانوا يعتقدون أن العزير ابن الله كما جاء في آية سورة التوبة [ 30 ] .
وفي إعلان نفي تولد الله من والد ردّ على من كان يتخذ الملائكة أو المسيح آلهة ، ويعتقدون أنهم أولاد الله .
وفي إعلان نفي المماثلة رد على من كان يتخذ لله أندادا ، ويجعل له شركاء في الخلق والاتجاه والعبادة وارتجاء الخير واتقاء الشر ، كما حكت ذلك آيات عديدة مثل آية سورة البقرة هذه : { ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله } [ 165 ] ، وآية سورة الرعد هذه : { قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقة فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار16 } .
والسورة في حسمها وإيجازها قطعية المعنى التقريري ، سهلة الحفظ والإيراد على لسان كل مؤمن ، وعنوان الإخلاص في عقيدة الله ووحدته ، وتفرده بالربوبية ، وشمول قدرته وتصرفه ، واستغنائه عن كل معين ، واحتياج جميع الكائنات إليه . وهي من هذا الاعتبار الصورة الواضحة القطعية المحكمة المجردة من كل الملابسات والشبهات للعقيدة الإسلامية بذات الله ، بحيث تكون مرد كل ما يمكن أن يكون من الألفاظ والآيات المتشابهة التي قد تكون وردت في القرآن على سبيل التقريب والتمثيل في نطاق اللغة البشرية ومفاهيمها .
وليس من ريب في أن من شأن الإخلاص في هذه العقيدة على هذا الوجه الحاسم المحكم أن يحرر النفس الإنسانية من الشبهات والارتكاسات والتأويلات والحيرة والخضوع لغير الله من القوى والمظاهر ، وأن يجعل اتجاهها لله الواحد الأحد الشامل القدرة ، المنزه عن كل ما يتناقض مع هذا الشمول والتفرد ، كما أن من شأنه أن يبعث فيها الطمأنينة والقوة والمناعة من التأثر بأي مؤثر ، ومن ارتجاء الخير واتقاء الشر من أي مصدر ، ومن الخضوع لأي قوة ، والرهبة من أحد غيره ، والأمل في سواه .
ويلحظ أن السورة قد اقتصرت كما قلنا على تقرير عقيدة الوحدة الإلهية ، ونفي كل ما يتناقض معها ؛ حيث يبدو أن حكمة التنزيل اقتضت ذلك في هذه السورة إزاء ما كان سائدا في العالم من نقائض متنوعة المدى لهذه الوحدة المستغنية عن كل شيء ، والتي هي مرجع ومصدر كل شيء . ولقد وصف الله عز وجل في السور السابقة واللاحقة برب العالمين الرحمن الرحيم المالك لكل شيء ، والعالم بكل شيء ، والمحيط بكل شيء ، والقادر على كل شيء ، والمتصرف في كل شيء ، الذي لا تدركه الأبصار ، والذي ليس كمثله شيء ، المتصف بجميع صفات الكمال ، والمنزه عن كل شائبة ونقص . وبذلك تكتمل الصورة القرآنية لله عز وجل في العقيدة الإسلامية كمالا لا يماثله ؛ بل ولا يدانيه شيء من الصور الإلهية في مختلف الديانات الأخرى .
ومعظم روايات النزول وتراتيب السور تجعل هذه السورة بعد سورتي الناس والفلق ، مما يسوغ القول : إن السور الثلاث نزلت في ظرف واحد ، وأوقات متقاربة ، أو متعاقبة . ولهذا دلالة مهمة من حيث توكيد السور الثلاث عدم وجود غير قوة الله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد قادرة على النفع والضرر ، والمنع والإعطاء . ومن حيث إيجاب الاستعاذة به وحده ، وعدم خشية أحد غيره ، وعدم الاتجاه إلى غيره في أي مطلب وحاجة .
قوله تعالى : { ولم يكن له كفوا أحد } ، أي لم يكن له مثلا أحد . وفيه تقديم وتأخير ، تقديره : ولم يكن له كفوا أحد ، فقدم خبر كان على اسمها ، لينساق ، أو آخر الآي على نظم واحد . وقرئ " كفوا " بضم الفاء وسكونها ، وقد تقدم في " البقرة " أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان{[16573]} ، إلا قوله تعالى : { وجعلوا له من عباده جزءا }{[16574]} [ الزخرف :15 ] لعلة تقدمت . وقرأ حفص " كفوا " مضموم الفاء غير مهموز . وكلها لغات فصيحة .
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة ، وفيه ثلاث مسائل :
الأولى : ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري : أن رجلا سمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، وكان الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن " .
وعنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة " ؟ فشق ذلك عليهم ، وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال : " الله الواحد{[1]} الصمد ثلث القرآن " ، خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه .
وخرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احشدوا{[2]} ، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن " ، فحشد{[3]} من حشد ، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ { قل هو الله أحد } ، ثم دخل ، فقال بعضنا لبعض : إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء ، فذاك الذي أدخله . ثم خرج فقال : " إني قلت لكم : سأقرأ عليكم ثلث القرآن ، ألا إنها تعدل ثلث القرآن " .
قال بعض العلماء : إنها عدلت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم الذي هو " الصمد " ، فإنه لا يوجد في غيرها من السور . وكذلك " أحد " . وقيل : إن القرآن أنزل أثلاثا ، ثلثا منه أحكام ، وثلثا منه وعد ووعيد ، وثلثا منه أسماء وصفات ، وقد جمعت { قل هو الله أحد{[4]} } أحد الأثلاث ، وهو الأسماء والصفات . ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم ، من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن الله جل وعز جزأ القرآن ثلاثة أجزاء ، فجعل { قل هو الله أحد } جزءا من أجزاء القرآن " . وهذا نص ، وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص ، والله أعلم .
الثانية : روى مسلم عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم ، فيختم { بقل هو الله أحد } ؛ فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : " سلوه لأي شيء يصنع ذلك " ؟ فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن ، فأنا أحب أن أقرأ بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أخبروه أن الله عز وجل يحبه } .
وروى الترمذي عن أنس بن مالك قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، وكان كلما افتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها ، افتتح ب{ قل هو الله أحد } ، حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ بسورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة ، فكلمه أصحابه ، فقالوا : إنك تقرأ بهذه السورة ، ثم لا ترى منها تجزيك حتى تقرأ بسورة أخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة أخرى ؟ قال : ما أنا بتاركها ، وإن أحببتم أن أؤمكم بها فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرونه أفضلهم ، وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ، ما يمنعك مما يأمر به أصحابك ؟ وما يحملك أن تقرأ هذه السورة في كل ركعة " ؟ فقال : يا رسول الله ، إني أحبها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن حبها أدخلك الجنة " . قال : حديث حسن غريب صحيح .
قال ابن العربي : فكان هذا دليلا على أنه يجوز تكرار سورة في كل ركعة . وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه ، إماما من جملة الثمانية والعشرين إماما ، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالأتراك ، فيقرأ في كل ركعة " الحمد لله " و " قل هو الله أحد " حتى يتم التراويح ؛ تخفيفا عليه ، ورغبة في فضلها ، وليس من السنة ختم القرآن في رمضان .
قلت : هذا نص قول مالك ، قال مالك : وليس ختم القرآن في المساجد بسنة .
الثالثة : روى الترمذي عن أنس{[5]} بن مالك قال : أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمع رجلا يقرأ { قل هو الله أحد } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . قلت : وما وجبت ؟ قال : " الجنة " . قال : هذا حديث حسن صحيح{[6]} .
قال الترمذي : حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال : حدثنا حاتم بن ميمون أبو سهل ، عن ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ كل يوم مائتي مرة { ل هو الله أحد } محي عنه ذنوب خمسين سنة ، إلا أن يكون عليه دين " .
وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن ينام على فراشه ، فنام على يمينه ، ثم قرأ { قل هو الله أحد } مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب : يا عبدي ، ادخل على يمينك الجنة " . قال : هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس .
وفي مسند أبي محمد الدارمي ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ { قل هو الله أحد } خمسين مرة ، غفرت له ذنوب خمسين سنة "
قال : وحدثنا عبد الله بن يزيد قال : حدثنا حيوة قال : أخبرني أبو عقيل ، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ { قل هو الله أحد } عشر مرات بني له قصر في الجنة . ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة . ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة " . فقال عمر بن الخطاب : والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله أوسع من ذلك " . قال أبو محمد : أبو عقيل زهرة بن معبد ، وزعموا أنه كان من الأبدال .
وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أبيه ، قال الرسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ { قل هو الله أحد } في مرضه الذي يموت فيه لم يفتن في قبره ، وأمن من ضغطة القبر ، وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها ، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة " . قال : هذا حديث غريب من حديث يزيد ، تفرد به نصر بن حماد البجلي .
وذكر أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال : سمعت مالك بن أنس يقول : إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن ، فتنزل الملائكة ، فيأخذون بأقطار الأرض ، فلا يزالون يقرؤون { قل هو الله أحد } حتى يسكن غضبه جل وعز .
وخرج من حديث محمد بن خالد الجندي عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من دخل يوم الجمعة المسجد ، فصلى أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و{ قل هو الله أحد } خمسين مرة ، فذلك مائتا مرة في أربع ركعات ، لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له " .
وقال أبو عمر مولى جرير بن عبد الله البجلي ، عن جرير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ { قل هو الله أحد } حين يدخل منزله ، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل وعن الجيران " .
وعن أنسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ { قل هو الله أحد } مرة بورك عليه ، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله ، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه ، ومن قرأها اثنتي عشرة بنى الله له اثني عشر قصرا في الجنة ، وتقول الحفظة : انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا ، فإن قرأها مائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة ، ما خلا الدماء والأموال ، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة ، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له " .
وعن سهل بن سعد الساعدي قال : شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر وضيق المعيشة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخلت البيت فسلم إن كان فيه أحد ، وإن لم يكن فيه أحد فسلم علي ، واقرأ { قل هو الله أحد } مرة واحدة " ، ففعل الرجل فأدر الله عليه الرزق ، حتى أفاض عليه جيرانه .
وقال أنس : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك ، فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور ، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك ، فأتى جبريل ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا جبريل ، مالي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط ) ؟ فقال : ( ذلك لأن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم ، فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه ) . قال " ومم ذلك " ؟ قال : ( كان يكثر قراءة { قل هو الله أحد } آناء الليل وآناء النهار ، وفي ممشاه وقيامه وقعوده ، فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض . فتصلي عليه ) ؟ قال [ نعم ] ، فصلى عليه ثم رجع . ذكره الثعلبي ، والله أعلم .