في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (15)

وأمام مشهد الطغيان الذي يقف في وجه الدعوة وفي وجه الإيمان ، وفي وجه الطاعة ، يجيء التهديد الحاسم الرادع الأخير ، مكشوفا في هذه المرة لا ملفوفا : كلا . لئن لم ينته لنسفعا بالناصية . ناصية كاذبة خاطئة . فليدع ناديه . سندع الزبانية .

إنه تهديد في إبانه . في اللفظ الشديد العنيف : ( كلا . لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ) .

هكذا( لنسفعن ) بهذا اللفظ الشديد المصور بجرسه لمعناه . والسفع : الأخذ بعنف . والناصية : الجبهة . أعلى مكان يرفعه الطاغية المتكبر . مقدم الرأس المتشامخ :

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ} (15)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال : { كلا } لا يعلم أن الله عز وجل يرى ذلك كله ، ثم خوفه ، فقال :{ لئن لم ينته } يعني أبا جهل عن محمد ، بالتكذيب والتولي { لنسفعا بالناصية } يقول : لنأخذن بالناصية أخذا شديدا . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : { كَلاّ لَئِن لَمْ يَنْتَهِ } يقول : ليس كما قال : إنه يطأ عنق محمد ، يقول : لا يقدر على ذلك ، ولا يصل إليه .

وقوله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } يقول : لئن لم ينته أبو جهل عن محمد { لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } يقول : لنأخذن بمقدّم رأسه ، فلنضمنه ولنذلنه ، يقال منه : سَفَعْتُ بيده : إذا أخذت بيده . وقيل : إنما قيل{ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ } والمعنى : لنسوّدنّ وجهه ، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله ، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه . وقيل : معنى ذلك : لنأخذنّ بناصيته إلى النار ، كما قال : { فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ } .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي حقا لئن لم ينته عن صنيعه الذي يصنع برسول الله لنسفعن { بالناصية } { ناصية } أي لنأخذن بالناصية ، كأنه عبارة عن الأخذ الشديد والجر الشديد على الناصية . ثم يحتمل أن يكون ذلك الوعيد له في الدنيا أنه لو لم ينته عما ذكر . فإن كان في الدنيا فيكون السفع كناية عن العذاب أي لنعذبن . وقيل : قد أخذ بناصيته يوم بدر ، فألقي بين يدي رسول الله قتيلا ، وإن كان في الآخرة فهو عن حقيقة أخذ الناصية ... وقال أهل العربية { لنسفعا بالناصية } أي نقبض ، وسفعت ناصيته ، أي قبضت ....

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ردع لأبي جهل وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله تعالى ، وأمره بعبادة اللات ، ثم قال { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ } عما هو فيه { لَنَسْفَعاً بالناصية } لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار .

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... وقال بعض العلماء بالتفسير : { لنسفعاً } معناه : لنحرقن ، من قولهم سفعته النار إذا أحرقته ، ... .

ثم إنه تعالى كنى ههنا عن الوجه والرأس بالناصية ، ولعل السبب فيه أن أبا جهل كان شديد الاهتمام بترجيل تلك الناصية وتطييبها ، وربما كان يهتم أيضا بتسويدها فأخبره الله تعالى أنه يسودها مع الوجه . ...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

فالآية - وإن كانت في أبي جهل - فهي عظة للناس ، وتهديد لمن يمتنع أو يمنع غيره عن الطاعة . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ كلا } أي ليس عنده علم بشيء من ذلك لسفول رتبته عن رتبة البهائم ، ولا في يده شيء من الأشياء ، فهو لا يقدر على شيء مما رامه من الأذى ، فليرتدع عن تعاطي ذلك ؛ لأنه لا يضر إلا نفسه....{ لئن لم ينته } أي يفتعل هذا الناهي لهذا العبد المطيع فيقف ويكف عما هو فيه من نهيه وتكذيبه وتوليه .... { لنسفعاً } أي والله لنأخذن ونقبضن قبضاً وأخذاً بشدة وعنف مع الجر والاجتذاب واللطم والدفع والغيظ أخذ من يعض مأخوذه ويذله ويسود وجهه ويقذره { بالناصية } أي بالشعر الذي في مقدم رأسه وهو أشرف ما فيه ، والعرب لا تأنف من شيء أنفتهم من أخذ الناصية ، وإذا انتهكت حرمة الأشرف فما بالك بغيره ، واستغنى بتعريف العهد عن الإضافة .

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } عن سلوكه الطاغي { لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } الناصية شعر الجبهة ، والسفع الجذب بشدّةٍ ، وكانت العرب تأنف من الشد بالناصية ، أو الجرّ بها ، وتعتبره مظهراً للإذلال والتحقير ، لأنه من شؤون الحيوان لا الإنسان ، ومعناه ، فليرتدع هذا الإنسان عن غيِّه ، وإلاَّ فسنشدّه إلى جهنم بناصيته .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

توجّه هذه الآيات أشدّ التهديد لهم وتقول : ( كلاّ ) لا يكون ما يتصور ( لأنه تصور أن يصدّ عن عبادة اللّه بوضعه قدمه على رقبة النّبي ) . ( كلاّ لئن لم ينته لنسفعنّ بالناصية ) نعم ، إذا لم ينته من إثمه وطغيانه سنجرّه بالقوّة من شعر مقدمة رأسه ( وهي الناصية ) ، وثمّ وصف الناصية هذه بأنّها كاذبة خاطئة وهو وصف لصاحبها ( ناصية كاذبة خاطئة ) . «لنسفعاً » : من السفع ، وذكر له المفسّرون معاني متعددة : الجرّ بالشدّة ، الصفع على الوجه ، تسويد الوجه -الأثافي الثلاثة التي يوضع عليها القدر تسمى «سفع » لأنّها تسوّد بالدخان- ، ووضع العلامة والإذلال . والأنسب المعنى الأوّل ، وإن كانت الآية تحتمل معاني أخرى أيضاً . وهل حدوث هذا السفع بالناصية في يوم القيامة ، حيث يسحب أبو جهل وأمثاله من مقدمة شعر الرأس إلى جهنم ، أم في الدنيا ، أم في كليهما ؟ لا يستبعد أن يكون في كليهما ....