في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

واللمسة الثانية في صميم القلب الإنساني ، الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد الله . مؤمنا تارة وكافرا تارة . وهو وحده الذي يقف هذا الموقف الفريد .

( هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ) . .

فعن إرادة الله وعن قدرته صدر هذا الإنسان ؛ وأودع إمكان الاتجاه إلى الكفر وإمكان الاتجاه إلى الإيمان ؛ وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق الله ؛ ونيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد . وهي أمانة ضخمة وتبعة هائلة . ولكن الله كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز والقدرة على الاختيار ؛ وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله ويقيس به اتجاهه . وهو الدين الذي نزله على رسل منه . فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة . ولم يظلمه شيئا .

( والله بما تعملون بصير ) . .

فهو رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل ، بصير بحقيقة نيته واتجاهه ، فليعمل إذن وليحذر هذا الرقيب البصير . .

وهذا التصور لحقيقة الإنسان وموقفه هو طرف من التصور الإسلامي الواضح المستقيم لموقف الإنسان في هذا الوجود ، واستعداداته وتبعاته أمام خالق الوجود .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

هو الذي خلقكم أيها الناس ، فمنكم من كفر وجحد الألوهية ، ومنكم المؤمن المصدّق ، وفي الحديث الصحيح : « كلّ مولودٍ يولَد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانِه أو ينصّرانه أو يمجّسانه » .

{ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

فهو رقيب على المخلوقات فيما تعمل ، فيجازيهم على أعمالهم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

وقوله تعالى : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ } الخ بيان لبعض قدرته تعالى العامة ، والمراد هو الذي أوجدكم كما شاء وقوله تعالى :

{ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } أي فبعضكم كافر به تعالى وبعضكم مؤمن به عز وجل ، أو فبعض منكم كافر به سبحانه وبعض منكم مؤمن به تعالى تفصيل لما في { خَلَقَكُمْ } من الإجمال لأن كون بعضهم . أو بعض منهم كافراً ، وكون بعضهم . أو بعض منهم مؤمناً مراد منه فالفاء مثلها في قوله تعالى : { والله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى على بَطْنِهِ } [ النور : 45 ] الخ فيكون الكفر والإيمان في ضمن الخلق وهو الذي تؤيده الأخبار الصحيحة كخبر البخاري . ومسلم . والترمذي . وأبي داود عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات : يكتب رزقه . وأجله . وعمله . وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح الحديث » وأخرج عبد بن حميد . وابن المنذر . وابن أبي حاتم . وابن مردويه عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا مكث المني في الرحم أربعين ليلة أتاه ملك النفوس فعرج به إلى الرب فيقول : يا رب أذكر أم أنثى ؟ فيقضي الله ما هو قاض فيقول : أشقي أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاق » .

وقرأ أبو ذر من فاتحة التغابن خمس آيات إلى قوله تعالى : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ المصير } [ التغابن : 3 ] والجمع بين الخبرين مما لا يخفي على من أوتي نصيباً من العلم ، وتقديم الكفر لأنه الأغلب .

/ واختار بعضهم كون المعنى هو الذي خلقكم خلقاً بديعاً حاوياً لجميع مبادي الكمالات العلمية والعملية ، ومع ذلك فمنكم مختار للكفر كاسب له على خلاف ما تستدعيه خلقته ، وكان الواجب عليكم جميعاً أن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليهما من سائر النعم ، فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنكم منه بل تشعبتم شعباً وتفرقتم فرقاً ، وهو الذي ذهب إليه الزمخشري ، بيد أنه فسر الكافر بالآتي بالكفر والفاعل له . والمؤمن بالآتي بالإيمان والفاعل له لأنه الأوفق بمذهبه من أن العبد خالق لأفعاله ، وأن الآية لبيان إخلالهم بما يقتضيه التفضل عليهم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من النعم ، وأن الآيات بعد في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصي الخالق ولا تشكر نعمته . ثم قال : فما أجهل من يمزج الكفر وإنكار أن يعصي الخالق ولا تشكر نعمته . ثم قال : فما أجهل من يمزج الكفر بالخلق ويجعله من جملته ، والخلق أعظم نعمة من الله تعالى على عباده ، والكفر أعظم كفران من العباد لربهم سبحانه ، وجعل الطيبي الفاء على هذا للترتيب والفرض على سبيل الاستعارة كاللام في قوله تعالى : { فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] وهي كالفاء في قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا في ذُرّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فاسقون } [ الحديد : 26 ] ولم يجعلها للتفصيل كما قيل .

واختار في الآية المعنى السابق مؤيداً له بالأحاديث الصحيحة ، وبأن السياق عليه مدعياً أن الآيات كلها واردة لبيان عظمة الله تعالى في ملكه وملكوته واستبداده فيهما ، وفي شمول علمه تعالى كلها وفي إنشائه تعالى المكونات ذواتها وأعراضها ، ووافقه في اختيار ذلك تلميذه المدقق صاحب الكشف ، واعترض قول الزمخشري : فما أجهل الخ بقوله فيه ما مر مراراً كأنه يعني مخالفة النصوص في عدم كون الكفر مخلوقاً كغيره على أن خلق الكفر أيضاً من النعم العظام فلولا خلقه وتبيين ما فيه من المضار ما ظهر مقدار الأنعام بالإيمان وما فيه من المنافع ، ثم إن كونه كفراً باعتبار قيامه بالعبد ومنه جاء القبح لا باعتبار كونه خلقه تعالى على ما حقق في موضعه ، ثم قال : ومنه يظهر أن تكلفه في قوله تعالى : { فَمِنكُمْ } الخ ليخرجه عن تفصيل المجمل في { خَلَقَكُمْ } تحريف لكتاب الله تعالى انتهى .

ويرجح التفصيل عندي في الجملة قوله تعالى : { كَافِرٍ } دون من يكفر ومن يؤمن ، نعم عدم دخول الكفر والإيمان في الخلق أوفق بقوله تعالى : { فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عَلَيْهَا } [ الروم : 30 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة » والإنصاف أن الآية تحتمل كلا من المعنيين : المعنى الذي ذكر أولاً . والمعنى الذي اختاره البعض ، والسياق يحتمل أن يحمل على ما يناسب كلا وليس نصاً في أحد الأمرين اللذين سمعتهما حتى قيل : إن الآيات واردة لبيان ما يتوقف عليه الوعد والوعيد بعد من القدرة التامة والعلم المحيط بالنشأتين ، وقوله تعالى : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي فيجازيكم بما يناسب ذلك لا ينافي خلق الكفر والإيمان لأنهما مكسوبان للعبد ، وخلق الله تعالى إياهما لا ينافي كونهما مكسوبين للعبد كما بين في الكلام على قوله تعالى : { والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات : 96 ] لكن أكثر الأحاديث تؤيد المعنى الأول ، وكأني بك تختار الثاني لأن كون المقام للتوبيخ على الكفر أظهر وهو أوفق به ، وعن عطاء بن أبي رباح { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } أي بالله تعالى مؤمن بالكوكب { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } بالله تعالى كافر بالكوكب ، وقيل : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } بالخلق وهم الدهرية { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } به ، وعن الحسن أن في الكلام حذفاً والتقدير ومنكم فاسق ، ولا أراه يصح ، وكأنه من كذب المعتزلة عليه ، والجملة على ما استظهر بعض الأفاضل معطوفة على الصلة ، ولا يضره عدم العائد لأن المعطوف بالفاء يكفيه وجود العائد في إحدى الجملتين كما قرروه في نحو الذي يظير فيغضب زيد الذباب ، أو يقال : فيها رابط بالتأويل أي فمنكم من قدر كفره ومنكم من قدر إيمانه ، أو { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } به { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } به ، ويقدر الحذف تدريجاً ، وجوز أن يكون العطف على جملة { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ } .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

قوله : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } الله ذو علم في الأزل بكل ما يجري وكل ما هو آت . فما من شيء واقع في هذا الكون إلا يحيط به علم الله في الأزل ، حتى إيمان المؤمن وكفر الكافر واقع بعلم الله . قال القرطبي في تأويل ذلك : والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة : إن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الكفر . وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الإيمان . والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ، لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعلمه منه . ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدّر عليه وعلمه منه ، لأن وجود خلاف المقدور عجز ، ووجود المعلوم جهل ، ولا يليقان بالله تعالى ، وفي هذا سلامة من الجبر والقدر .

قوله : { والله بما تعملون بصير } الله عليم بأعمالكم لا يخفى عليه منها شيء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: الله الّذِي خَلَقَكُمْ أيها الناس..." فَمِنكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مِؤمِنٌ "يقول: فمنكم كافر بخالقه وأنه خلقه "ومنكم مؤمن" يقول: ومنكم مصدّق به موقن أنه خالقه أو بارئه.

"وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" يقول: والله الذي خلقكم بصير بأعمالكم عالم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم بها، فاتقوه أن تخالفوه في أمره أو نهيه، فيسطو بكم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

(هو الذي خلقكم) معناه هو الذي اخترعكم وأنشأكم بأن أخرجكم من العدم إلى الوجود. (فمنكم كافر ومنكم مؤمن) معناه: فمنكم من يختار الكفر بسوء اختياره ومنكم مؤمن بحسن اختياره للإيمان...

وقوله (والله بما تعملون بصير) معناه -ههنا- أنه خلق الكافر، وهو عالم بما يكون منه من الكفر، وكذلك خلق المؤمن وعلم بما يكون منه من الايمان، وكل ذلك على وجه الاحسان في الفعل الذي يستحق به الحمد والشكر.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

المعنى: هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح، وتكونوا بأجمعكم عباداً شاكرين، فما فعلتم مع تمكنكم، بل تشعبتم شعباً، وتفرقتم أمماً؛ فمنكم كافر ومنكم مؤمن، وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

واللمسة الثانية في صميم القلب الإنساني، الذي يقف في خضم الوجود المؤمن المسبح بحمد الله. مؤمنا تارة وكافرا تارة. وهو وحده الذي يقف هذا الموقف الفريد.

(هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن)..

فعن إرادة الله وعن قدرته صدر هذا الإنسان؛ وأودع إمكان الاتجاه إلى الكفر وإمكان الاتجاه إلى الإيمان؛ وتميز بهذا الاستعداد المزدوج من بين خلق الله؛ ونيطت به أمانة الإيمان بحكم هذا الاستعداد. وهي أمانة ضخمة وتبعة هائلة. ولكن الله كرم هذا المخلوق فأودعه القدرة على التمييز والقدرة على الاختيار؛ وأمده بعد ذلك بالميزان الذي يزن به عمله ويقيس به اتجاهه. وهو الدين الذي نزله على رسل منه. فأعانه بهذا كله على حمل هذه الأمانة. ولم يظلمه شيئا.

(والله بما تعملون بصير)..

فهو رقيب على هذا الإنسان فيما يعمل، بصير بحقيقة نيته واتجاهه، فليعمل إذن وليحذر هذا الرقيب البصير..

وهذا التصور لحقيقة الإنسان وموقفه هو طرف من التصور الإسلامي الواضح المستقيم لموقف الإنسان في هذا الوجود، واستعداداته وتبعاته أمام خالق الوجود.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

هذا تقرير لما أفاده قوله: {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض} [التغابن: 1]، وتخلصٌ للمقصود منه على وجه التصريح بأن الذين أشركوا بالله قد كفروا بنعمته وبخلقهم زيادة على جحدهم دلائل تنزهه تعالى عن النقص الذي اعتقدوه له. ولذلك قدم {فمنكم كافر} على {ومنكم مؤمن} لأن الشق الأول هو المقصود بهذا الكلام تعريضاً وتصريحاً. وأفاد تعريف الجزأين من جملة {هو الذي خلقكم} قصر صفة الخالقية على الله تعالى، وهو قصر حقيقي قصد به الإِشارة بالكناية بالرد على المشركين إذ عمدوا إلى عبادة أصنام يعلمون أنها لم تخلقهم فَما كانت مستحقة لأن تعبد، لأن العبادة شكر...

والخطاب في قوله: {خلقكم} لِجميع الناس الذين يدعوهم القرآن بقرينة قوله: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن}، فإن الناس لا يعْدون هذين القسمين. والفاء في {فمنكم كافر} عاطفة على جملة {هو الذي خلقكم} وليست عاطفة على فعل {خلقكم} وهي للتفريع في الوقوع دون تسبب ....

... {والله بما تعملون بصير} تتميم واحتراس واستطراد، فهو تتميم لما يكمِّل المقصود من تقسيمهم إلى فريقين لإِبداء الفرق بين الفريقين في الخير والشر وهو عليم بذلك وعليم بأنه يقع وليس الله مغلوباً على وقوعه ولكن حكمته وعلمه اقتضيا ذلك...

وشمل قوله: {بما تعملون} أعمالَ القلوب كالإِيمان وهي المقصود ابتداء هنا...