فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

{ هو الذي خلقكم } أي قدر خلقكم في الأزل ، وكذا قوله : { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } أي مقضي بكفره وإيمانه أزلا ، وقيل : إنه خلق الخلق ، ثم كفروا وآمنوا ، والتقدير هو الذي خلقكم ثم وصفكم فقال : { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } كقوله : { والله خلق كل دابة من ماء ، فمنهم من يمشي على بطنه } الآية ، قالوا : فإنه خلقهم والمشي فعلهم وهذا اختيار الحسين بن الفضيل قال : لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله { فمنكم كافر } الخ واحتجوا :

" بقوله صلى الله عليه وسلم : كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " ، ذكره الخطيب ، قال الضحاك : فمنكم كافر في السر مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في السر وكافر في العلانية ، كعمار ابن ياسر ونحوه مما أكره على الكفر .

وقال عطاء : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله ، كافر الكواكب . قال الزجاج : إن الله خلق الكافر ، وكفره فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الكفر ، وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الإيمان ، والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ، لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه ، لأن وجود خلاف المقدر عجز ، ووجود خلاف المعلوم جهل ، هذا طريق أهل السنة ، فمن سلك هذا أصاب الحق وسلم من مذهب الجبرية والقدرية ، قال القرطبي : وهذا أحسن الأقوال ، وهو الذي عليه جمهور الأمة وقدم الكافر على المؤمن لأنه الأغلب عند نزول القرآن ، وفيه رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين .

{ والله بما تعملون بصير } لا تخفى عليه من ذلك خافية ، فهو مجازيكم بأعمالكم .

" عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : العبد يولد مؤمنا ، ويعيش مؤمنا ، ويموت مؤمنا ، والعبد يولد كافرا ، ويعيش كافرا ، ويموت كافرا ، وإن العبد يعمل برهة من دهره بالسعادة ، ثم يدركه ما كتب له ، فيموت شقيا وإن العبد يعمل برهة من دهره بالشقاء ، ثم يدركه ما كتب له فيموت سعيدا " ، أخرجه ابن مردويه .