قوله : { هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمناً وكافراً{[56841]} .
وروى أبو سعيد الخدري قال : «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فذكر شيئاً مما يكون ، فقال : " يُولَدُ النَّاسُ على طَبقاتٍ شَتَّى : يُولَدُ الرَّجُلُ مؤمِناً ويَعيشُ مُؤمِناً ويمُوتُ مُؤمِناً ويُولَدُ الرَّجُلُ كَافِراً ويعيشُ كَافِراً ويمُوتُ كَافِراً ، ويُولَدُ الرَّجُلُ مُؤِمناً ويَعِيشُ مُؤمِناً ويَمُوتُ كَافِراً ، ويُولَدُ الرَّجلُ كَافِراً ويَعيشُ كَافِراً ويَمُوتُ مُؤمِناً " {[56842]} .
وقال ابن مسعود : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «خَلَق اللَّهُ فِرْعونَ في بَطْنِ أمِّهِ كَافِراً ، وخلق يَحْيَى بْنَ زكريَّا في بَطْنِ أمِّهِ مُؤمِناً »{[56843]} .
وفي الصحيح من حديث ابن مسعود : «وإنَّ أحَدَكُمْ ليَعْمَلُ بعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى ما يكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ أو باعٌ فيَسبقُ عليْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بعَملِ أهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا ، وإن كان أحَدُكُمْ ليَعْمَلُ بِعَملِ أهْلِ النَّارِ حتَّى ما يكُونَ بَيْنَهُ وبَيْنَهَا إلاَّ ذراعٌ أو باعٌ فَيَسْبِقُ عليْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمِل أهْلِ الجنَّةِ فَيدخُلُهَا »{[56844]} .
وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي : أن رسول الله قال : «إنَّ الرَّجُلَ ليَعملُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو للنَّاسِ وهُوَ مِنْ أهْلِ النَّارِ ، وإنَّ الرَّجُلَ ليَعْمَلُ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ فيمَا يَبْدُو للنَّاسِ وهُوَ من أهْلِ الجَنَّةِ »{[56845]} .
قال القرطبي{[56846]} رحمه الله : قال علماؤنا : والمعنى تعلق العلم الأزلي بكل معلوم ، فيجري ما علم وأراد وحكم ، فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال ، وقد يريده إلى وقت معلوم ، وكذلك الكفر . وقيل : في الكلام محذوف تقديره : فمنكم كافر ومنكم مؤمن ومنكم فاسق ، فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه . قاله الحسن .
وقال غيره : لا حذف فيه ؛ لأن المقصود ذكر الطرفين .
وقيل : إنه خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا ، والتقدير : «هُو الَّذي خَلقُكُمْ » ، ثم وصفهم فقال : { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } كقوله تعالى : { والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ } [ النور : 45 ] الآية ، قالوا : فالله خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } ، واحتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام : «كُلُّ مَولُودٍ يُولَدُ على الفِطرةِ فأبواهُ يَهوِّدانهِ ويُنصِّرانهِ ويُمْجِّسانِهِ »{[56847]} .
قال البغوي{[56848]} : وروينا عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الغلامَ الذي قَتلهُ الخضِرُ طُبعَ كافراً »{[56849]} .
وقال تعالى : { وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً }[ نوح : 27 ] .
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وكل اللَّهُ بالرَّحمِ مَلكاً ، فيقُولُ : أي : ربِّ نُطفَةٌ ، أي ربِّ علقَةٌ ، أي : ربِّ مُضغَةٌ ، فإذا أرَادَ اللَّهُ أن يقْضِيَ خَلْقَهَا ، قال : ربِّ أذكرٌ أم أنْثَى ؟ أشقيٌّ أم سعيدٌ ؟ فما الرِّزْقُ ؟ فما الأجلُ ؟ فيُكْتَبُ ذلِكَ في بَطْنِ أمِّهِ » .
وقال الضحَّاك : فمنكم كافر في السِّر ، مؤمن في العلانية كالمنافق ، ومنكم مؤمن في السر ، كافر في العلانية كعمّار وذويه{[56850]} .
وقال عطاء بن أبي رباح : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكوكب ، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكوكب يعني في شأن الأنْوَاء ، كما جاء في الحديث{[56851]} .
قال القرطبي{[56852]} : وقال الزجاج{[56853]} - وهو أحسن الأقوال - : والذي عليه الأئمة أن الله خلق الكافر ، وكُفره فعل له وكسبٌ ، مع أن الله خالق الكفر ، وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكَسْب ، مع أنَّ الله خالق الإيمان ، والكافر يكفر ، ويختار الكفر بعد خلق اللَّه تعالى إياه ؛ لأن اللَّه - تعالى - قدّر ذلك عليه وعلمه منه ؛ لأن وجود خلاف المقدور عجز ، ووجود خلاف المعلوم جهل ، ولا يليقان باللَّه تعالى ، وفي هذا سلامة من الجَبْر والقدر . وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة ، ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة{[56854]} .
وقيل : فمنكم كافر بأن الله خلقه ، وهو مذهب الدَّهْرية ، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه .
قال ابن الخطيب{[56855]} : فإن قيل : إنه - تعالى - حكيم وقد سبق في علمه أنه إذا [ خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر ، فأي حكمة دعته إلى خلقهم ؟ ]{[56856]} .
فالجواب إذا علمنا أنه تعالى حكيم ، علمنا أن أفعاله كلها على وفق الحكمة ، ولا يلزم من عدم علمنا بذلك أن لا يكون كذلك ، بل اللازم أن يكون خلقهم على وفق الحكمة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.