البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

{ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } ، هذا تقسيم في الإيمان والكفر بالنظر إلى الاكتساب عند جماعة من المتأولين لقوله : كل مولود يولد على الفطرة ، وقوله تعالى : { فطرة الله التي فطر الناس عليها } وقيل : ذانك في أصل الخلقة ، بدليل ما في حديث النطفة من قول الملك : أشقيّ أم سعيد ؟ والغلام الذي قتله الخضر عليه السلام أنه طبع يوم طبع كافراً .

وما روى ابن مسعود أنه عليه الصلاة والسلام قال : « خلق الله فرعون في البطن كافراً » وحكى يحيى بن زكريا : في البطن مؤمناً .

وعن عطاء بن أبي رباح : { فمنكم كافر } بالله ، { مؤمن } بالكواكب ؛ ومؤمن بالله وكافر بالكوكب .

وقدّم الكافر لكثرته .

ألا ترى إلى قوله تعالى : { وقليل من عبادي الشكور } وحين ذكر الصالحين قال : { وقليل ما هم } وقال الزمخشري : فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له ، كقوله تعالى : { وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون } والدليل عليه قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } : أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من قبلكم ، والمعنى : الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد عن العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح ، وتكونوا بأجمعكم عباداً شاكرين .

انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال .

وقال أيضاً : وقيل : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر } بالخلق : هم الدهرية ، { ومنكم مؤمن } به .

وعن الحسن : في الكلام حذف دل عليه تقديره : ومنكم فاسق ، وكأنه من كذب المعتزلة على الحسن .