تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

الآية 2 وقوله تعالى : { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } يحتمل أن يكون تأويله : فمنكم من يدين بدين الكفر ، ومنكم من يدين بدين الإيمان . ودل هذا على أن المعصية والطاعة يجتمعان في دين واحد ، وأن المعصية [ لا تخرجه من دينه ، لأن المعصية ]{[21316]} لم يرتكبها تدينا بها ولكن لغلبة شهوة أو غضب عليه .

وأما الكفر والإيمان فإنه يأتي بهما المرء اختيارا ، ويتدين /572- أ/ بالكفر والإيمان لما عنده أنه حق .

وفي هذه الآية دلالة أن ليس بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة ، وليس كما قالت المعتزلة : إن صاحب الكبيرة بين منزلتين بين الكفر والإيمان ، والله تعالى قسم الناس نصفين : فمنهم من خلقه كافرا ، ومنهم من خلقه مؤمنا ، ولم يجعل في ما بينهما منزلة ثالثة ، فلا يجب أن تجعل ، والله الموفق .

وفيه أيضا وجه لطيف سوى ما ذكرنا ، وهو أن كل واحد في الدنيا مؤمن وكافر في الحقيقة ، لأن من كان مؤمنا فهو كافر بالطاغوت ، ومن كان كافرا بالله فهو مؤمن بالطاغوت . فإذا كان كذلك وجب أن يبحث عن معنى قوله : { فمنكم كافر ومنكم مؤمن } .

ومعناه عندنا أن الحقيقة ، وإن كانت كذلك ، فالإيمان إذا ذكر مطلقا لم يفهم منه [ إلا ]{[21317]} الإيمان بالله تعالى ، والكفر إذا أطلق أيضا لم يفهم منه إلا الكفر بالله تعالى . وإذا كان كذلك جاز أن يكون لفظ الكتاب خارجا على ما عليه المعهود من المتعارف المعتاد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } في الأزل بما يعمله العباد ، وإنه ليس كما قال بعض الناس : إنه{[21318]} لا يعلم فعل العباد إلا وقت فعله ، واحتجوا في ذلك أن لوقلنا : إن الله تعالى بصير في الأزل بما يفعله لكن قول بما لا يستقيم في المعقول . ألا ترى أنا لا نرى في الشاهد من بنى بناء ، يعلم أنه يضره ، أو يشتري عبدا ، يعلم أنه يعاديه ؟ فكذا لا يستقيم أن يقال : إن الله خلق عبدا ، قد كان يعلم من قبل أنه إذا خلقه عاداه .

والجواب عن هذا الذي وصفه غير مستقيم في الشاهد لأن منافع ما يفعله العباد ومضارهم ترجع إلى أنفسهم ، وليس من العقل أن يفعل المرء فعلا ، يعلم أنه يضره .

وأما رب العالمين فإنه لا يرجع شيء من المنافع والمضار إليه ، فجاز أن يخلق خلقا ، يعلم أنه يختار عداوته ليظهر عند الخلق أنه لا يرجع شيء من المنافع والمضار إليه بعد أن يكون في الحكمة ذلك ، والله أعلم .

ثم في قوله : { والله بما تعملون بصير } [ البقرة : 265 و . . . . ] [ وقوله ]{[21319]} : { والله بما تعملون عليم } [ البقرة : 283 و . . . ][ وقوله ]{[21320]} : { وهوعلى كل شيء وكيل }[ الأنعام : 102 و . . . ] [ وقوله ]{[21321]} : { وربك على كل شيء حفيظ } [ سبأ : 21 و . . . ] إلزام المراقبة والتحفظ والتيقظ وبيان الترغيب والترهيب ، لأنه إذا علم المرء أن عليه في كل ما يفعله رقيبا{[21322]} يتيقظ ، ولا{[21323]} يفعل إلا ما يرضى به ربه ، والله المستعان .


[21316]:من م، ساقطة من الأصل.
[21317]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل وم
[21318]:في الأصل وم: إن
[21319]:في الأصل وم: و
[21320]:في الأصل وم: و
[21321]:في الأصل وم: و
[21322]:في الأصل وم: رقيب
[21323]:في الأصل وم: ولم