{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 ) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 2 ) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( 3 ) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 4 ) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 5 ) ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( 6 ) } .
_عبارة الآيات واضحة ، والآيات الأربع الأولى منها احتوت تقريرا لعظمة ملك الله وقدرته ومطلق تصرفه في الكون وإتقان خلق الإنسان وتصويره على أحسن الصور ، وإحاطة علمه بكل شيء وخضوع كل شيء له واستحقاقه وحده للحمد والتقديس ، وقد انطوى في الآية الثانية على ما يتبادر من روحها تقرير لواقع المخاطبين ؛ حيث كان منهم الكافر وكان المؤمن وتقرير كون الله تعالى بصير بما يفعله كل منهم .
أما الآيتان الأخيرتان فقد احتوتا تذكيرا بالكافرين من الأمم السابقة بأسلوب التساؤل الإنكاري التقريري عن ما جاء المخاطبين من أنبائهم ؛ حيث استنكروا أن يرسل الله بشرا رسلا ليهدوهم فكفروا نتيجة لذلك ، فذاقوا نكال الله في الدنيا فضلا عما أعده لهم من عذاب الآخرة الأليم مع تقرير كون الله مستغنيا عنهم ، وهو الغني عن خلقه الحميد لمن يشكروه ويؤمن به .
وواضح أن الآيات هي بسبيل دعوة السامعين إلى الله والاهتداء بالهدى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم . وقد جاء هذا بصراحة أكثر في الآيات التالية . وأسلوبها عام هادئ موجه إلى القلب والعقل معا .
وليس هناك روايات تروي سبب نزولها والمتبادر أنها تمهيد أو مقدمة لما جاء بعدها . والله أعلم .
وفي حكاية قول الكفار السابقين حينما كانت تأتيهم رسلهم { أبشر يهدوننا } تنديد بالكافرين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان يصدر منهم مثل هذا القول على ما حكته آيات عديدة في سور سابقة . منها آية الإسراء هذه { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا 93 وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا 94 } فكأنما أريد أن يقال لهم : إنكم إذا قلتم هذا فقد قاله أمثالكم من قبل ، وكان من أسباب كفرهم واستحقاقهم لنكال الله وعذابه . وإن الله لمستغن عنكم كما استغنى عمن قبلكم وهو الغني الحميد .
وفي جملة { وصوركم فأحسن صوركم } تذكير للإنسان بما ميزه الله على غيره من خلقه بالمميزات المتنوعة ، وبما يوجبه ذلك عليه من الاعتراف بفضله والاستجابة إلى دعوته . وقد انطوى هذا في آيات عديدة في سور سبق تفسيرها .
{ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } وتعليق عليه
ولقد وقف المفسرون عند هذه الجملة ، وأوردوا مذاهب الكلاميين فيها ، من حيث الجبر والاختيار ؛ حيث يرى أصحاب المذهب الأول فيها دليلا على مذهبهم بتقدير الله عز وجل الكفر والإيمان على الناس . وقد أوردوا حديثا نبويا للتدليل على ذلك روي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( وكل الله بالرحم ملكا ، فيقول أي رب نطفة أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد أن يقضي خلقها قال : يا رب أذكر أم أنثى . أشقي أم سعيد ، فما الرزق ، فما الأجل فيكتب كذلك في بطن أمه ) {[2237]} وحيث ينكر أصحاب المذهب الثاني ذلك ويقولون : إن معنى الآية هو أن الله خلق الناس فمنهم من اختار الكفر ، ومنهم من اختار الإيمان وذكروا آية سورة الكهف { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } ( 29 ) ونقول تعليقا على ذلك : إن الحديث ليس من الصحاح وإننا شرحنا مسألة القدر والجبر والاختيار في سورة القمر شرحا يغني عن التكرار ، ورجحنا الثاني على ضوء الآيات القرآنية المحكمة . وإن المتبادر لنا أن الجملة لا تتحمل هذا الخلاف الكلامي ، وإن روح الآيات وهي تندد بالكافرين وتنسب إليهم أعمالهم وتذكرهم بأمثالهم الذين استحقوا نكال الله تؤيد بقوة القول الثاني . وإن الجملة هي بسبيل تقرير واقع المخاطبين والسامعين حين نزولها حيث كان منهم من كفر بالرسالة النبوية ومنهم مؤمن . وقد رأينا الطبري يؤول الجملة في معنى ( يقول الله تعالى أيها الناس منكم كافر بخالقه وأنه خلقه . ومنكم مؤمن بخالقه وأنه خلقه ) ولا يخلو هذا من وجاهة وإن كنا نرى ما ذكرناه هو الأكثر تساوقا مع الجملة وروح الآيات معا . والله تعالى أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.