لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (2)

{ هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن } قال ابن عباس : إن الله تعالى خلق بني آدم مؤمناً وكافراً ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمناً وكافراً ( م ) عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلاً خلقهم لهم وهم في أصلاب آبائهم » ( ق ) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «وكل الله بالرحم ملكاً فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد فما الزرق فما الأجل فيكتب ذلك وهو في بطن أمه » وقال جماعة في معنى الآية إن الله تعالى خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا لأن الله ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم فقال فمنكم كافر ومنكم مؤمن ثم اختلفوا في تأويلها فروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال فمنكم كافر حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن حياته كافر في العاقبة وقال عطاء بن أبي رباح فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب وقيل فمنكم كافر أي بأن الله خلقه وهم الدهرية وأصحاب الطبائع ومنكم مؤمن أي بأن الله خلقه وجملة القول فيه أن الله تعالى خلق الكافر وكفره فعلاً له وكسباً وخلق المؤمن وإيمانه فعلاً له وكسباً فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله وبمشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لأن الله تعالى قدر ذلك عليه وعلمه منه هذا طريق أهل السنة فمن سلك هذا أصاب الحق وسلم من مذهب الجبرية والقدرية { والله بما تعملون بصير } أي أنه عالم بكفر الكافر وإيمان المؤمن .