في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم ، في غيظ عنيف ، وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه ، ويصفها القرآن بما لا يزيد عليه :

( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر . ويقولون : إنه لمجنون ) .

فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على الأرض وثباتها ! وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة وضغن ، وحمى وسم . . مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح ، والشتم البذيء ، والافتراء الذميم : ( ويقولون : إنه لمجنون ) . .

وهو مشهد تلتقطه الريشة المبدعة وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة . فهو لا يكون إلا في حلقة عامة بين كبار المعاندين المجرمين ، الذين ينبعث من قلوبهم وفي نظراتهم كل هذا الحقد الذميم المحموم !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

يُزلقونك : ينظرون إليك بغيظ وحنق حتى تزلّ وتنزلق .

لمّا سمعوا الذِكر : القرآن الكريم .

ثم بين الله تعالى كيف ظهرتْ عداوتُهم للنبي الكريم ، وكيفَ كانوا ينظُرون إليه بحقدٍ وضِيق فقال :

{ وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذكر وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ }

إنهم لِشدةِ عداوتهم لك ينظُرون إليك بهذه الكراهية حتى لَيكادون يُزِلّون قدمك حسداً وبغضا حين سمعوا القرآن ، ثم يزيدون في كُرههم ويقولون إنك لَمجنون .

قراءات :

قرأ نافع وحده : ليزلقونك بفتح الياء والباقون : بضمها ، وهما لغتان زَلِق وأزلق .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

قوله تعالى : " وإن يكاد الذين كفروا " " " إن " هي المخففة من الثقيلة . " ليزلقونك " أي يعتانونك . " بأبصارهم " أخبر بشدة عداوتهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في بني أسد ، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ، ثم يقول : يا جارية ، خذي المكتل{[15281]} والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة ، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة ، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول : لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة . فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم ، فلما مر النبي صلى الله عليه ويلم أنشد :

قد كان قومك يحسبونك سَيِّدَا *** وإِخَالُ أنك سيد مَعْيُونُ

فعصم الله نبيه صلي الله عليه وسلم ونزلت : " وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك " . وذكر نحوه الماوردي . وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوّع ثلاثة أيام ، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول : تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن ، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . قال القشيري : وفي هذا نظر ؛ لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض ؛ ولهذا قال : " ويقولون إنه لمجنون " أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن .

قلت : أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا ، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله . ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك . وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد " ليزهقونك " أي ليهلكونك . وهذه قراءة على التفسير ، من زهقت نفسه وأزهقها . وقرأ أهل المدينة " ليزلقونك " بفتح الياء . وضمها الباقون ، وهما لغتان بمعنى ، يقال : زلَقَه يَزْلِقه وأزلقه يُزْلِقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده . وزلق رأسه يَزْلِقه زلقا إذا حلقه . وكذلك أزلقه وزلقه تزليقا . ورجل زَلِق وزُمَلِق - مثال هُدَبِد - وزُمَالِق وزُمّلق - بتشديد الميم - وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ، حكاه الجوهري وغيره . فمعنى الكلمة إذاً التنحية والإزالة ، وذلك لا يكون في حق النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته . قال الهروي : أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك . وقال ابن عباس : ينفذونك بأبصارهم ، يقال : زلق السهم وزهق إذا نفذ ، وهو قول مجاهد . أي ينفذونك من شدة نظرهم . وقال الكلبي : يصرعونك . وعنه أيضا والسدي وسعيد بن جبير : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . وقال العوفي : يرمونك . وقال المؤرج : يزيلونك . وقال النضر بن شميل والأخفش : يفتنونك . وقال عبدالعزيز بن يحيى : ينظرون إليك نظرا شَزْرا بتحديق شديد . وقال ابن زيد : ليمسونك . وقال جعفر الصادق : ليأكلونك . وقال الحسن وابن كيسان : ليقتلونك . وهذا كما يقال : صرعني بطرفه ، وقتلني بعينه . قال الشاعر :

ترميك مَزْلَقَة العيون بطرفها *** وتَكِلّ عنك نصالُ نَبْلِ الرامي

وقال آخر :

يتقَارضون إذا التقوا في مجلس *** نَظَرًا يُزِلّ{[15282]} مواطئَ الأقدام

وقيل : المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك . وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا ، وأن المعنى الجامع : يصيبونك بالعين . والله أعلم .


[15281]:المكتل: زنبيل يعمل من الخوص يحمل فيه التمر وغيره.
[15282]:في اللسان "يزيل" وكلاهما صحيح.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

ولما نهاه صلى الله عليه وسلم عن طاعة المكذبين وحذره إدهانهم وضرب لهم الأمثال ، وتوعدهم إلى أن قال : { ذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم{[67788]} } وختم بقصة يونس عليه السلام للتدريب على الصبر وعدم الضعف ولو بالصغو إلى المدهن{[67789]} ، فكان التقدير تسبيباً عما فيها من النهي : فإنهم إنما يبالغون في أذاك لتضجر فتترك ما أنت فيه ، قال عاطفاً على هذا{[67790]} المقدر مخبراً له بما في صدورهم من الإحن عليه وفي قلوبهم من الضغائن له ليشتد حذره من إدهانهم ، مؤكداً لأن من يرى إدهانهم يظن إذعانهم وينكر لمبالغتهم فيه طغيانهم : { وإن } أي وإنه { يكاد } وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال : { الذين كفروا } أي ستروا ما قدروا عليه مما جئت به من الدلائل .

ولما كانت " أن{[67791]} " مخففة ، أتى باللام التي هي علمها فقال : { ليزلقونك } أي من شدة عداوتهم وحسدهم وغيظ قلوبهم { بأبصارهم } أي يوجدون لك التنحية عما أنت فيه والزلل العظيم الذي صاحبه في موضع دحض لا مستمسك{[67792]} فيه بالهلاك فما دونه من الأذى حتى يرموك من قامتك إلى الأرض كما يزلق الإنسان فينطرح{[67793]} لما يتراءى في عيونهم حين تصويب النظر{[67794]} للفطن من الحنق والسخط الدال على أن صدورهم تغلي ، وهو من قولهم : نظر إليّ {[67795]}نظراً كاد{[67796]} يصرعني ، يعني{[67797]} لو أمكنه أن يصرعني به لصرعني كما قال تعالى

{ يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا }[ الحج : 72 ] وقيل : يهلكونك بإصابة العين{[67798]} ، قال القشيري : كانوا إذا أرادوا أن يصيبوا شيئاً بأعينهم جاعوا ثلاثة أيام ثم نظروا إلى ذلك الشيء وقال : ما أحسنه من شيء ، فيسقط المنظور إليه في الوقت ، ففعلوا ذلك بالنبي{[67799]} صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما أنصحه{[67800]} من رجل ، فحفظه الله منهم ، وللشيخين{[67801]} عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" العين حق " وفي رواية عند أحمد{[67802]} وابن ماجة{[67803]} : " يحضر بها الشيطان وحسد ابن آدم " ولأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه : " العين حق{[67804]} ولو أن شيئاً سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا{[67805]} " ولأبي نعيم في الحلية من حديث جابر رضي الله عنه رفعه : " العين حق تدخل الجمل القدر والرجل القبر " ولأبي داود{[67806]} من حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها : " وإنها لتدرك الفارس فتدعثره " .

ولما ذكر هذا الإزلاق العظيم ، ذكر ظرفه معبراً بالماضي تذكيراً بالحال الماضية فقال : { لما سمعوا الذكر } أي القرآن الذي غلب{[67807]} عليه التذكير بأمور يعليها كل أحد من نفسه ، ومن الآفاق كان هواياه أول ما سمعوه حسداً على ما أوتيت من الشرف فكان سماعهم له باعثاً لما عندهم من البغض والحسد على أنه لم يزدهم تمادي الزمان إلا حنقاً بدلالة{[67808]} { ويقولون } أي قولاً لا يزالون يجددونه .

ولما كان صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عما يشين ، أكدوا قولهم : { إنه لمجنون * } حيرة في أمرك وتنفيراً عنك لما يعلمون من أنه لا يسمعه أحد لا غرض له إلا كذبهم ومال بكليته إليك وكان معك{[67809]} وارتبط بك واغتبط بما جئت به ، وعن الحسن أن قراءة هذه الآية دواء{[67810]} للإصابة بالعين .


[67788]:- سقط من ظ وم.
[67789]:- من ظ وم، وفي الأصل: المدهنين.
[67790]:- زيد من ظ وم.
[67791]:- زيد من ظ وم.
[67792]:- من ظ وم، وفي الأصل: ممسك.
[67793]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيطرح.
[67794]:- زيد من ظ وم.
[67795]:- من ظ وم، وفي الأصل: منظر كان.
[67796]:- من ظ وم، وفي الأصل: منظر كان.
[67797]:- زيد من ظ وم.
[67798]:- زيدت الواو بعده في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67799]:- من ظ وم، وفي الأصل: للنبد.
[67800]:- زيد في الأصل: أنه، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67801]:- راجع صحيح البخاري: الطب- وصحيح مسلم: السلام.
[67802]:- راجع المسند 2/439.
[67803]:- ليس في السنن في مظانها.
[67804]:- زيد من ظ وم.
[67805]:- زيد في الأصل وظ: انتهى، ولم تكن الزيادة في م فحذفناها.
[67806]:- راجع السنن: الطب.
[67807]:- زيد من ظ وم.
[67808]:- زيد في الأصل: بقوله، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67809]:- من ظ وم، وفي الأصل: معه.
[67810]:- من ظ وم، وفي الأصل: وا- مع يسير مع إلبياض.